وثانيهما: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها، سواء كان يجتهد لنفسه أم لغيره، مما يعني ضرورة معرفة المجتهد المعاصر للموضوع المستحدث، الذي يجتهد في استنباط أحكامه الشرعية. أي أنه ينبغي الاجتهاد في حسن فهم الأحكام الشرعية القائمة، والتعرف على عللها من أجل حسن تطبيقها على ظروف مجتمعاتنا المعاصرة. ثم الاجتهاد في استنباط الاحكام الشرعية الجديدة التي تنظم المعاملات المستحدثة، والتي لم يكن للسلف بها عهد ولم يكن لها في الشرع حكم قائم لازم لا يستغني عنه المسلمون في كل زمان. الاجتهاد فرض على الأمة الإسلامية ولذلك أجمع العلماء وفي مقدمتهم الإمام الشاطبي على القول: بأن الاجتهاد فرض لازم للامة الإسلامية وواجب عليها، يقوم به الفرد الذي توافرت فيه شروطه أو كل جماعة إسلامية في كل جيل ممن استكملوا ادوات الاجتهاد وتهيأت لهم أسبابه من علماء المسلمين. والاجتهاد مرهون بالتكليف، لأنه ضرورة من ضرورات الحياة كما أكد هذه الحقيقة القائمة الثابتة في حياة الأمة الإسلامية الهدي النبوي الشريف بقوله: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لما أمر دينها) ([10]). ولذلك ذهب الإمام الشوكاني إلى القول بناء على هذا التوجيه النبوي الكريم: بأنه لا يصح أن يخلو عصر من وجود مجتهدين كي لا تتعطل الشريعة عن التطبيق، وهذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم وارشاده لأمته. وإذا كان الاجتهاد مرهوناً بالتكليف، فهو قائم على المصلحة التي لا تقوم على الهوى، لا على بناء الحكم الشرعي على ما يستحبه المجتهد دون دليل وإنّما هي المصلحة التي يشهد لها الشرع بالاعتبار والتي لا تصادم نصوص الشريعة، أي هي المحافظة على مقصود الشارع والتي ترمي إلى أن تحفظ عليهم نفسهم ودينهم وعقلهم وسلامتهم ومالهم كما ذهب إلى ذلك الغزالي في (المستصفى).