ويعلل الإمام الخطابي ذلك (بأن الله لو نص على حادثة من الحوادث، وكفى الناس مؤونة الاجتهاد والاستنباط، لماتت الخواطر وتبادت الأفهام وسقطت فضيلة العلماء، فأمر بين غير خاف، وأيضاً فلو جاء التوقيف في كل حادثة تحدث إلى آخر الدهر لاشتد حفظه ولامتنع على الناس ضبطه ولأدى ذلك إلى الضيق والحرج عمن أمروا، لتعدد عصره والعجز عن ضبطه وحفظه). إن توالي الحوادث والوقائع المستجدة والمعاملات المستحدثة وذلك كله من طبيعة الحياة واستمرارها ودوامها، يجعل تلك الحوادث والوقائع كلها محتاجة إلى أحكام وقواعد، والى استنباط وايجاد الحلول الملائمة لها والوسيلة الوحيدة إلى ذلك هو الاجتهاد الذي هو حياة الأمة الإسلامية ومظهر حيويتها واستمرارها والباب الوحيد للملائمة بين دينها وحياتها واستمراره ضروري لاستمراره وبقائها، مصداقاً لما أكده الشاطبي في الموافقات: (إن الاجتهاد لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع التكليف وذلك عند قيام الساعة). ومن هنا كان الاجتهاد واجباً في حق الامة الإسلامية كما ذهب إلى ذلك أئمة الإسلام أمثال: الشاطبي والشوكاني والبغوي والعز بن عبدالسلام الذي اعتبره ضرورياً وطالب الأمة بممارسته حيث يقول: (إن وقعت حادثة غير منصوصة، أو فيها خلاف بين السلف، فلابد فيها من الاجتهاد من كتاب أو سنة، وما يقول سوى هذا إلا صاحب هذيان). ومن هنا لم يكن علماؤنا في مختلف عصور الإسلام يترددون او يحجمون عن الاجتهاد وعن إلحاق الحكم الشرعي بكل حادثة جديدة عرضت لهم ولم تكن معروفة للسلف، مستدلين على ذلك الحكم استدلالاً سليماً من أصول الشريعة، بواسطة قواعد الاستنباط التي يرشد إليها علم أصول الفقه، المستمد من كتاب الله الذي هو أصل الأُصول التي لا تنتهي إليها انظار النظار ومدارك أهل الاجتهاد كما ذهب إلى ذلك الإمام الشاطبي الذي اعتبر المجتهد: هو كل من اتصف بوصفين: ([9]) أحدهما: فهم مقاصد الشريعة وكمالها.