ومن هنا يكون الرأي بمعنى التفكير بغير الطرق التي مهدها الشرع وهدى إليها، تفكيراً بالهوى وقريباً من الزلل، ويعتبر رأياً مذموماً، وهو ما عناه عمر رضي الله عنه بقوله: إياكم وأصحاب الرأي. وهو قول كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في الشرع برأيه فقد ضل وأضل. ومن هنا يتبين أن الاجتهاد بالرأي من أنواع الاجتهاد العام، الذي يشمل بذل الجهد للتوصل إلى الحكم المراد من النص الظني الدلالة، ويشمل بذل الجهد للتوصل إلى الحكم بتطبيق قواعد الشرع الكلية، ويشمل بذل الجهد للتوصل إلى الحكم فيما لا نص فيه بالقياس او الاستحسان او الاستصلاح، او غير ذلك من الوسائل التي أرشد إليها الشرع للاستنباط فيما لا نص فيه. ولذلك يتبين أن الاجتهاد بالرأي لا ينشئ حكماً وضعياً من لدن المجتهد، وإنّما يكشف عن الحكم الشرعي الذي نصب الشرع امارات عليه، ومهد الطرق للوصول إليه، مما يجعل الاجتهاد في شريعة الإسلام ضرورة حتمية مواكبة لحياة المسلمين لا في عصر دون عصر، ولا في مكان دون مكان، ولكن في كل العصور وفي جميع الأزمنة، حتى يبقى المجتمع الإسلامي متطوراً متجدداً، يلائم بين العبادة والمعاملة، ويعمل فيه المسلم لمعاشه كما يعمل لمعاده، باعتباره النافذة الضرورية في حياة المسلمين لتجد قضاياهم ومشاكلهم، ووقائع حياتهم، قواعد وحلولاً لها تطبيقاً لخاصية الإسلام وقاعدته الاساسية، وهي صلاحيته لكل زمان ومكان، باعتباره الدين الخاتم والصالح للإنسانية كلها، وذلك كله لا يتحقق إلا بممارسة الاجتهاد المستمر يؤكد هذه الحقيقة الإمام الشهرستاني في (الملل والنحل) بقوله: (إن الحوادث والوقائع مما لا يقبل الحصر والعد، ونعلم قطعياً أنه لم يرد في كل حادثة نص ولا يتصور ذلك، والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى، علم قطعاً أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد).