وأساس الغلط عند الفريقين ينشأ من عدم التفرقة بين المدلولين، فإن التجديد ليس هو التغيير، بل التجديد في الدين يكون بإظهاره بالمظهر اللائق، وعرضه على أحسن وجه، وذلك يقتضي المحافظة على جوهره، وعدم تغيير شيء من اوضاعه، وهذا هو المراد بالتجديد الذي يقوم به أولو الأمر من الأمراء والعلماء، كما حدده الرسول الكريم في الحديث الشريف: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)([3]) وكما فعل ابن عبدالعزيز لما انحرف الناس عن الجادة في بعض أمور الدين، فردهم إليها، وكما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية حيث نادى بالرجوع إلى صفاء العقيدة، والتمسك بحبلها المتين. ولما كانت اصول الإسلام هي الكتاب والسنة والاجماع والقياس تحددت مهمة التجديد وانحصر نطاقه، فما كان من قبيل العبادات او الاحكام التي نص عليها الكتاب او السنة او اجمعت عليها الأمة، فالتجديد فيه يكون بالرجوع بالأمة إليه إذا انحرفت عنه او اتبعت بديلاً، أي إذا غيرت منه شيئاً وتركت العمل به، وبالتالي فلن يكون في العبادات وأحكامها تغيير كالصلاة والحج وغيرهما، وكذلك الشأن في أحكام الزواج والإرث والبيع والاجارة، فمن غير في شيء من ذلك فقد عمد إلى هدم الدين لا إلى تجديده. أما ما لم يرد به نص ولم يتقرر له حكم فيما سلف، مما يحدث بحكم التطور وتقلب الزمن، فإن على العلماء والفقهاء أن يجدوا له حكماً بواسطة قياسه على ما يثبت، وإلحاقه بما عرف، وهذا هو التجديد أيضاً، لأنه بمقتضى بنائه على أسس الدين وقواعده المعتمدة فيه، يعتبر استمراراً له ونمواً. على أن التغيير لم يرد في القرآن لا بمعنى الانحراف والزيغ عن السبيل، كما قال تعالى: