حادة، وحد بينهما وجمعهما في إسماح وتآلف، وهما الحقيقتان الدينية والعقلية كما أكد ذلك الإمام الغزالي بقوله: (الدين عقل من خارج، والعقل دين من داخل). الأمر الذي وحد مفهوم كل الاتجاهات والمدارس الفكرية الإسلامية، سواء كانت عقائدية، او فكرية او غيرهما، إذ هنا تكمن خاصية التطور في شريعة الإسلام، يؤكد ذلك ويبينه أن الشريعة الإسلامية التي تستند قوانينها ومبادئها إلى القرآن والسنة كمصدرين أساسيين، لم تنص إلا على بعض الأحكام التفصيلية فيما يخص او يتعلق بالحدود والمواريث، ومعنى ذلك أن الإسلام لم يفصل إلا في مبادئ العقيدة والعبادات، وترك مجال المعاملات، وهي مجال القوانين في عصرنا الحاضر، فلم يرد في القرآن والسنة إلا المبادئ العامة التي هي أساس كل تعقيد واستنباط، واستلهام، وهذا هو السر في هذه الثروة الفقهية الضخمة الثرية، التي استنبطها الفقهاء والعلماء على مر العصور، لما استجد من الوقائع في الحياة، ولما عرض ويعرض من القضايا والمسائل، كما امتازت هذه القوانين والقواعد المستنبطة نفسها، بكونها متطورة مختلفة من عصر إلى عصر، وفي المذهب الواحد نفسه باختلاف المجتهدين والأزمنة والأمكنة جميعاً.([2]) التجديد والتغيير ولابد هنا من توضيح الأمر بالنسبة لفريقين من الناس: فريق يقف جامداً يأبى كل تطور او تجديد، ومن ثم يعارض فتح باب الاجتهاد او ممارسته. وفريق لا يفرق بين أمر التجديد والتغيير، ويرى هؤلاء أنه لابد من تغيير شامل لما وجدوا عليه أنفسهم والناس، مجاراة لأحوال العصور، وخضوعاً لناموس التطور، معتقدين أن هذا هو التجديد المأمور به، والذي لا مندوحة عنه لفرض الوجود وضمان الاستمرار.