وهناك جانب لا يمكن التغلب عليه في الجهد الاجتهادي، ويتمثل في طبيعة المجتهد وخصوصياته الخلقية (بفتح الخاء) ومكونات استعداداته النفسية الناشئة من تأثير التربية عليه، فيغلب عليه ما هو غالب في طبعه التكويني من رفق وشدة، وتساهل وتشدد، وتفاؤل وتشاؤم، فمن عاش في بيئة معينة أسرية أو اجتماعية فهو متأثر بها منفعل بآثارها متحكمة به، تلون له الأشياء باللون الذي ينسجم معها ويعبر عنها، فيكون الاجتهاد معبرا عن رأي المجتهد كما ترجح لديه وظهر له، ولا يعني أنه على حق فيما رآه وأنه يمتلك الصواب وحده، وهذا مما يدفعنا إلى احترام التعددية في الآراء الاجتماعية، والاعتراف بحق كل مجتهد في الدفاع عن رأيه، وإيجاد قنوات للحوار والمناظرة لاتستهدف الانتصار للرأي والدفاع عنه، وإنّما تستهدف معرفة الحق والالتزام به. التعددية ظاهرة إيجابية التعددية المذهبية ظاهرة إيجابية تعبر عن ثراء الفكر وحرية الرأي وقدرة العقل على الفهم المتعدد كما يدل على خصوبة النص في دلالته على المعاني المتعددة المستفادة منه، ولا يمكننا اعتبار ذلك من السلبيات التي يراد التغلب عليها والتخفيف من آثارها، والنصوص الشرعية غنية بالدلالات والمعاني المراد بها، من خلال تتبع الدلالات المتقاربة من الألفاظ ومن خلال البحث عن مقاصد الشريعة التي تهدف إلى تحقيقها. والمجتهد في استنباطه للأحكام الفقهية يقف حائرا مترددا بين ترجيحه للدلالة اللغوية للألفاظ الواردة في النص أو ترجيحه للمقاصد الشرعية المستفادة من عموم النصوص والمؤكدة بالأدلة القطعية. وهذه الحيرة سرعان ما يقع التغلب عليها بإيجاد منهجية موضوعية تراعي ذلك الترابط الوثيق بين المقاصد الشرعية والدلالات اللفظية، بحيث تكون المقاصد موجهة لنشاط المجتهد، يبحث عنها في ثنايا الألفاظ، ويتغياها في خطواته، ولا يتخطاها أو يتجاوزها، لأنها الغاية المرجوة من الأحكام