إننا لا نرفض فكرة العولمة التي تؤدي إلى تعزيز القيم الإنسانية في السلوك والى إلغاء التفاوت بين الشعوب في توزيع الثروات، وإلى احترام حقوق الإنسان في القوانين والمعاملات الإنسانية، وإلى مساعدة الشعوب الفقيرة على توفير أسباب الكرامة لها، والى إيجاد شرعية دولية مستقلة وعادلة ومنصفة، تحمي مبادئ العدالة وتدافع عن الحق وتناصر المستضعفين في الأرض. هذه عولمة إنسانية محمودة، ونجد معالمها في تراثنا الإسلامي الذي يدعو إلى احترام إنسانية الإنسان وتحريره من الظلم والاستعباد وإلغاء الفوارق بين القوميات والشعوب، واعتبار التقوى والعمل الصالح هو معيار التفاضل والتمايز، والدعوة إلى السلام الذي يحقق للجميع الشعور بالأمن والطمأنينة والسكون النفسي... عولمة التكافل والتعاون من مبادئ الثقافة الإسلامية، ومن اليسير أن نرى ملامح هذه العولمة التضامنية والتكافلية في أحكام الإسلام الفقهية، في نظام الزكاة والواجبات المالية والصدقات، كما نجدها في أخلاقية العلاقات الدولية واحترام المواثيق والعهود والاتفاقات في حالات السلم والحرب والاعتراف بحقوق الأسرى وتحريم الإساءة للأبرياء حتى الأطفال والشيوخ والعجزة، وتحريم إهدار الأموال وقطع الأشجار. فإن كانت عولمة الغرب تعني هذه المفاهيم وتنادى بها وتسعى من أجلها، فهي عولمة مرحب بها، وهي إنجاز إنساني كبير، لأنها تمثل تكافل المجتمع الدولي لمقاومة الفقر والجهل والأمراض والمظالم، وإن كانت تلك العولمة تعني إلغاء الآخر وإضعاف مكونات هويته الوطنية والتحكم في مؤسساته وقراراته وثرواته فمن الطبيعي أن تواجه تلك العولمة بمواقف التطرف وسلوكيات اليأس والقنوط. ولا يمكننا أن نواجه التحديات الحضارية بواقعنا المعاصر، سواء على المستوى الفكري والثقافي أو على مستوى اهتماماتنا الهامشية التي تعبر عن واقع سلبي يكرس حالة التخلف والجمود والعجز... ولابد من منهجية جديدة لتجديد مناهجنا