بينما حبسوا أنفسهم بين الجدران وراء أكداس الكتب المكتوبة بغير لسانهم، ويحاولون أن يجمعوا كلّ ماله صلة بالشرق المسلم قديماً وحديثاً من علوم ومعارف وعادات وتقاليد وطرائق تفكير وخصائص الأقاليم والبلدان.. إلى غير ذلك، فجمعوا كلّ ذلك وعكفوا عليه وتأملوه ودرسوه ونظّموه ورتّبوه بعناية فائقة من أجل ارتياد دار الإسلام والتعريف بها حتّى يضمن للزحف الصليبي الجديد أن يسير على بصيرة من أمره فينتصر في النهاية كما هو مخطط له. وهذه الحقائق التي كانت مطموسة بالأمس فقد ظهرت عند العامة والخاصّة من أوساط المسلمين، بل حتى المنصفون من غيرهم أخذوا يعترفون بها ويقرّونها. فهذا الباحث المرموق «ادوارد سعيد» يقولها بقوة وشجاعة: لم أستطع أن اكتشف أية حقبة في التاريخ الأوربي أو الاميركي منذ العصور الوسطى تمَّ أبّانها بحث الإسلام أو التفكير فيه بصورة عامة خارج أطار ابتدعته العواطف والأهواء والانحياز والمصالح السياسيّة، وقد لايبدو هذا الاكتشاف مذهلاً ولكنّه يتضمّن كلّ مايتصل بجميع الفروع العلميّة والبحثيّة التي عرفت منذ مطلع القرن التاسع عشر أو التي حاولت أن تدرس الشرق دراسة منهجيّة([176]). وأهمية هذه الشهادة لا تكمن في كونها صادرة عن أحد أبرز المطلعين على ثقافة الغرب، ولا لكونه صاحب أطروحات مثيرة للجدل الواسع في الأوساط الغربيّة السياسيّة والاعلاميّة، ولا باعتباره أحد المفكرين المسيحيّين فحسب، وانّما تنبع قيمة شهادته من كونه صاحب اختصاص معمّق يشار إليه بالبنان في هذا الاتجاه. فهو يعمل أستاذاً للأدب الانكليزي في جامعة كولومبيا بنيويورك،