ومن هنا فيمكن القول بأن أقل نظرة فاحصة يلقيها الباحث على فصول اللعبة وافرازاتها الخطيرة تقوده إلى حقيقة على غاية من الوضوح والأهمية، وهي أنّ تلك اللعبة التي جرت فصولها على مسارح المسلمين لم تكن وليدة نزعة فردية أو نزوة عابرة منبعثة من روح المغامرة وحبّ الاستطلاع، بل انّ هؤلاء المستشرقين من انكليز وفرنسيّين وألمان ونمساويّين وهولنديّين وروس وغيرهم انّما جاءوا إلى سوريا ولبنان والعراق وفلسطين والجزيرة العربية ليقوم كل منهم بدوره المرسوم بدقّة لهم. وليس أدلّ على مانقوله أنّ اللعبة لم تكن مقتصرة على هؤلاء فحسب، بل انخرط في سياقها حتّى كبار الساسة الأوربيّين كنابليون بونابرت الذي قام بمهمة اختراق الشرق الإسلامي وفق المنهج المدروس القائم على طريقة «حصان طروادة» حينما حاول أن يجعل الائمة والقضاة ورجال الافتاء والعلماء يؤوّلون آيات القرآن الكريم بما يخدم مصلحة جيشه وأغراضه. فقد قام بدعوة أساتذة الأزهر العلماء الستّين إلى مجلسه فاستقبلهم استقبالاً عسكرياً رسمياً، وبدأ بالاطراء والمديح بالإسلام وبالنبيّ محمد(صلى الله عليه وآله) وباجلال القرآن! وقد بدا وكأنّه على أُلفة كاملة به! وقد نجحت خطّته هذه، فإنّه سرعان ما بدا سكّان القاهرة وكأنّهم فقدوا ريبتهم بالمحتلّين([173]). ونفس الشيء فعله «ولهلم الثاني» امبراطور المانيا وملك بروسيا حينما وقف في مأدبة عشاء في سراي دمشق أقامها الوالي التركي على شرفه، فقام خطيباً في وجهاء المدينة الذين لبّوا دعوة الوالي قائلاً لهم: قولوا لثلاثمائة مليون مسلم: إنني