العلميّة والتي كان لها بعد ذلك الدور الرئيسي في ضمّ الشرق وتحويله إلى اقليم من أقاليم «المعرفة الأوربية». فكان من أهم المواد التي تناولها في دراسته العلميّة واستقصائه: «قوانين الهندوسيّين والمحمدييّن» و«السياسة والجغرافيا الحديثين للهند» و«أفضل السبل لحكم البنغال» و«التجارة في الهند».. وما إلى ذلك([171]). وبطبيعة الحال فإنّ صفته كأول رئيس لجمعية البنغال الآسيوية، وصفته قاضياً وأديباً - كما قيل إنّه ترجم المعلّقات السبع إلى الانكليزية - بالإضافة إلى عمله الرسمي كقانوني مقتدر - وهي المهنة ذات الدلالة الرمزية بالنسبة إلى تاريخ الاستشراق - كلّ ذلك أكسبت «جونز» المعرفة الكاملة بالشرق والشرقيّين، والتي كان لها الدور الفاعل فيما بعد أن تجعل منه المؤسّس غير المنازع للاستشراق الانكليزي بتعبير أي .جي. آربري([172]). والواقع أنّ اهتماماته تلك لم تكن حبّاً بالشرقيّين ولا بالشرق، وإنّما تنبع من غايات نفعية لا تخفى تصبّ في عمق التوجّهات التبشيرية المشبوهة. وعلى أية حال فانّ كلاً من «بوكوك» و«جونز» الانكليزيّين، و«فولني» الفرنسي وعشرات أمثالهم ليسوا سوى نماذج شاخصة لأولئك الذين بذلوا جهوداً مضنيّة في هذا المضمار، وبالتالي كان لهم الدور الخطير في تحويل الشرق المسلم من فضاء «أخضر» إلى فضاء تملؤه الانفاس الأجنبية، وكان لهم - كذلك - الفضل الكبير في الاختراق الذي أحدثوه في جدار الديار الإسلامية التي فشلت في اختراقها أوربا مع ما أوتيت من قوة ورجال وعلى مدى سنين طويلة.