الحقيقي هي أن نظهر لهم العطف والتفاهم في المناقشات الدينيّة معهم بدلاً من أن نسبّهم ونكيل الغريات بكلّ سذاجة([169]). ومن هنا استطاع الغرب المسيحي أن يتبنّى خيارات أوسع من المواقف المتاحة لديه ويسمح بتيارات مختلفة بما فيها التيار الحضاري والتبشيري في مواقفه الموجّهة ضد الإسلام وأهله. وهذا ما حاول الاستفادة منه الاسقف «فيدانتيوس دوبادو» الذي أقام مدّة طويلة في الشرق، وانتخب اسقفاً للفرانسيسكان الموجودين في فلسطين وسوريا وغيرهما([170]). فانطلاقاً من عدّة دلائل كإقامته بين ظهراني الجيش الإسلامي، ومكثه الطويل في بلاد الشام يؤكّد أنّه كان مضطلعاً بمهامه وبمنتهى الدقّة . ولم يكتف خبراء الاختراق بالتنظير لذلك بل ساهم بعضهم في أداء أدوار خطيرة أنيطت بهم من قبل الدوائر المسيحيّة التبشيرية، ولعلّ المستشرق الانكليزي «ادوارد بوكوك» المارّ ذكره مثال على ذلك. وما ينطبق على «بوكوك» ينطبق أيضاً على «وليم جونز» الذي كان له الدور البارز في عمليات الاختراق الموجّهة إلى الشرق الإسلامي، و«جونز» هذا كان متعدّد المواهب والثقافات، فبالاضافة إلى أنه كان قانونياً متمرّساً وعالماً متقناً للعربيّة والعبريّة والفارسيّة كان أيضاً شاعراً كلاسيكياً وباحثاً أديباً، ولذلك سرعان ما أُسند إليه منصب «المشرف العام» والمرجع في جزيرة الهند الشرقية، وفور وصوله لتسلّم مهام منصبه مع شركة الهند الشرقية بدأ بمسار الدراسة