ومن جانب آخر فانّه وأمام سلسلة الهزائم والانهيارات العقائدية لدى المسيحيّين قطعوا بعدم جدوى الحرب ضد المسلمين، وأنّه هم الخاسرون بكلّ الأحوال، فأمام هذه الانهيارات المعنويّة سعوا إلى وضع حدٍّ لها، والحيلولة دون هبوطها نحو الأسوأ، فعمدوا من خلال «الاستشراق» حماية الإنسان المسيحي من أن يرى النور الإسلامي أو أن يشمّ ريحه العطرة، وعلى الخصوص المسيحيّون القاطنين في الشام ومصر والشمال الافريقي واسبانيا التي دخل الإسلام هذه الأصقاع ودخل أهلها في دين اللّه أفواجاً، بل وصاروا من دعاة هذا الدين وحماته. وبعبارة أخرى: كان دافع الاستشراق هو محاولة «تبشيع» صورة الإسلام وأهله عند المسيحيّين حتّى لا يتتابع من بقي من رعايا الكنيسة على الدخول في الإسلام أو ملاقاة أهله والتحدّث إليهم. ويمكننا ملاحظة ذلك فيما صاغته ريشة مستشرق حول ملامح الشرق المسلم، وهو الفرنسي «لويس برتران» في كتابه المعنون بـ «السراب الشرقي» الذي أصدره عام 1910م والذي يعتبر ثمرة رحلته إلى الشرق، يقول:... في الفرن شاهدت ولداً ينام عرياناً على الخبز بينما الذباب يأكل وجهه ويلتصق على حنايا جفونه الوسخة! ثم رأيت حماراً أرعن يسرق رغيفاً كان يشكل وسادة للولد ويفرّ بعدها على وجه السرعة... إنّه الشرق! إنّكم لا تعلمون حقيقته! إنّه القذارة! والسرقة والانحطاط والاحتيال والقساوة والتعصّب والحماقة! نعم أنا أكره الشرق، إنّي أكره الشرقيّين! أكره أولئك المعتمرين بالطرابيش والمتلهّين بالسبحات([167]).