وبالجملة: فقد كان المؤرّخون يجمعون على أنّ الاستشراق انتشر في أوربا بصفة الجدّية انّما كان بعد فترة عهد الاصلاح الديني كما يشهد بذلك التاريخ في هولندا والدانمارك وغيرها([166]). دوافعه: تعدّدت الدوافع التي دعت بالأوربيّين إلى الاستشراق والخوض في مضماره، وأهمّها: 1- الدافع الديني: فانّ الحرب الصليبيّة الطويلة الخاسرة والتي دامت نحو قرنين من الزمان (489 - 690هـ) قد تركت آثاراً عميقة ومُرَّة في نفوس الأوربيّين، ممّا استدعى إلى إعادة النظر في شروح كتبهم الدينيّة، ومحاولة تفهّمها على أساس التطورات الجديدة التي تمخّضت عنها حركة الاصلاح الديني الذي قام بها المسيحيّون: بروتستانت وكاثوليك، فكانت الحاجة ضاغطة وشديدة - بطبيعة الحال - لاعادة النظر في مراجعهم الدينيّة وكتبهم المعتمدة لديهم. ومن هنا اتّجهوا إلى الدراسات العربيّة فالإسلامية، لأنّ الأولى كانت ضرورية لفهم الثانية، لأنّ الإسلام بمجموعه يُعتبر الدين المنافس الوحيد للمسيحيّة، إضافة إلى دافع الفضول المتّجه نحو معرفة سر انتصاراته الساحقة المتتالية على المسيحيّة في الحروب الصليبيّة المذكورة. وبمرور الزمن اتّسع نطاق الدراسات الشرقية حتّى شملت أدياناً ولغات وثقافات غير إسلامية.