اللهم إلا ما تجعجع به بعض إذاعاتهم ; وتهذي به بعض صحفهم من الاحتجاجات والاستنكارات التي لا تردع غاصبا أو معتدياً، ولا تحمي عرضاً ولا أرضاً. واعتدى الروم ذات يوم على أحد الثغور، وذلك في زمن المعتصم - أحد مشاهير الخلفاء العباسيين - وبالتحديد سنة اثنتين وعشرين ومائتين للهجرة النبوية الشريفة، وغنم الغزاة من ثروات المسلمين، وأسروا منهم وسبوا كثيرين، فصاحت صبية مسلمة قائلة: «وامعتصماه»، ووصل النداء إلى المعتصم; فأقسم ألا يسوغ له طعام أو شراب حتى ينتقم من الغزاة، ويستنقذ مافي أيديهم من الغنائم والأسرى والسبايا، ويطردهم إلى حيث لا يعودون. وفعلاً كان، والتاريخ أصدق الشاهدين، حيث جيّش المعتصم جيوشاً لم يعهد مثلها من قبل - كما يقول ابن كثير في البداية والنهاية: «وتجهز جهازاً لم يجهزه أحد كان قبله من الخلفاء، وأخذ معه من آلات الحرب والأحمال والجمال والقِرَب والدواب والنفط والخيل والبغال، شيئا لم يُسمع بمثله. وسار إلى عمورية في جحافل أمثال الجبال»([116]). وكانت عمورية هذه; أمنع بلاد الروم في ذلك الزمان، وقد فرَّ إليها القوم بعد أن اعتدوا على أحد ثغور المسلمين. ووصلها المعتصم في رمضان من تلك السنة، فحاصرها حتى فتحها، واستنقذ أسرى المسلمين منها، وقتل من بقي من مقاتلي الروم فيها، وأمر بـإحراقها بعد ذلك. كل هذا من أجل استغاثة امرأة مسلمة قالت: «وامعتصماه». وقد خلَّد الشاعر أبو تمام تلك الموقعة في قصيدته المشهورة، المسماة (فتح عمورية) ومطلعها: