السيوف من الأغماد، ونفرت كتائب الإيمان من مختلف البلاد. كان إذا اعتدي على ثغر من الثغور; غلت نفوس المسلمين كما تغلي الملاء من القدور، واندفع المقاتلون منهم; يصدون الأعادي بالجماجم والصدور. كان إذا اعتُدي على واحدة من فتيات المسلمين; أشرعت في - سبيل اللّه - الرماح، وقعقع - في أيدي الرجال - السلاح. وصفحات التاريخ متخمة بمثل هذه الاعتداءات الهمجية، ولكنها مضيئة أيضاً وفي ذات الوقت - بالردود المناسبة القوية. قدمت امرأة من العرب إلى سوق يهود بني قينقاع - وكانوا أشجع يهود وأقواها، وكانوا صاغة وتجار مجوهرات - فباعت المرأة في سوقهم جلباً من غنمها، ثم جلست إلى أحد صاغتهم وهي متنقبة على عادة الحرائر من بنات العرب في ذلك الزمان، فجعل اليهود يريدونها على كشف وجهها وهي تأبى، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فتضاحك القوم عليها، وصاحت هي مستنجدة. ولم يكن في الساحة إلا مسلم واحد، ورغم ذلك فقد انقض على الصائغ اليهودي فقتله، واجتمع اليهود على المسلم فقتلوه. ثم نفر المسلمون لمحو العار، فأجلو بني قينقاع كلهم - في النهاية - عن تلك الديار([115]) . تُرى كم مسلمة في البوسنة والهرسك وكوسوفا; هتك عرضها الصليبيون المجرمون؟! وكم مسلمة في فلسطين وفي لبنان; اعتدى عليها الصهاينة الحاقدون؟! ورغم ذلك لم تظهر في المسلمين المروءة الإسلامية، ولم تتحرك فيهم غيرة أو حمية.