ـ(364)ـ والصراع على السلطة والنفوذ بين القوى السياسية والاقتصادية التي تحتكر الساحة وتتخفى وراء ستار الديمقراطية، هو إفراز طبيعي للنظم الرأسمالية الليبرالية، التي تحتاج فيه تلك القوي إلى تأمين مصالحها من خلال الإمساك بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية إضافة إلى شراء ما أمكن من ذمم سلطات القضاء. وبعد إمساكها بالسلطة، تمارس هذه القوة التي تدعي تمثيل الأكثرية، أعقد أنواع الدكتاتورية. فهي ان كانت تمثل الأكثرية حقيقة، فهذه الأكثرية تعني في أفضل الأحوال 50 % + 1 من الأصوات، أي ان هذه الأكثرية ستمارس دكتاتورية واستبدادا بالسلطة ضد الـ 50 % ـ 1 من أبناء الشعب، وتحرمها من أية ممارسة سياسية، سوى التعبير الشكلي عن الاعتراض وهو ما تنبه لـه المفكر الفرنسي "الكسس دي توكفيل" في وقت مبكر، وحذر منه في كتابه "الديمقراطية في أمريكا" الذي صدر جزء الأول عام 1835، وأسمى ذلك بـ "طغيان الأكثرية"، وهي في الواقع ليست الأكثرية الحقيقية، بل الأكثرية الظاهرية، واعتبر ان هذا الطغيان الذي يتستّر خلف الممارسة الديمقراطية، يشكل تهدياً خطيراً للحرية وبالتالي ينعكس على حرية الفرد، وبذلك فان هذا الطابع الدكتاتوري والاستبدادي للأغلبية.. كما يقول دي تو فيل ـ يعد "من أهم مشكلات المجتمع الديمقراطي"(72) وفضلا عن ذلك، فإن هذه الأغلبية هي ـ في الحقيقة ـ ليست الأغلبية ولا الأكثرية، بل أنها لا تمثل سوى أقلية ضئيلة قياسا بعدد الذين يحق لهم التصويت. فالحزب هو الذي يدخل الانتخابات يسيطر عليه مجموعة من السياسيين الذين يمثلون الكارتلات الاقتصادية الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال. وهذا الحزب هو الذي يرشح أعضائه لمجلسي النواب والشيوخ(أو البرلمان في الدول ذات المجلس الواحد)، وكذلك إلى رئاسة الجمهورية(في الدول ذات الأنظمة الرئاسية). فمثلا على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية، لا يشترك ـ عادة ـ أكثر من 30 % ممن لهم حق التصويت. ومن هؤلاء يصوّت ما يقرب من 16 % للرئيس الفائز، أي 8 % فقط من مجموع السكان. والنتيجة ان