ـ(358)ـ مجالات التقاء الثيوقراطية بالنظام الإسلامي وافتراقها عنه الثيوقراطية، وان كانت تنسب نفسها إلى الله تعالى وإرادته، إلا أنها ليست سوى نظام وضعي، أبدعت العقلية المسيحية البشرية، التي وجدت نفسها في ظروف تضطرها لدخول معترك الحكم وهي تحمل نظرية خاصة بها وقد فصلتها على مقاس الظروف التي كانت تعيشها. ومن هنا فقد شهدت النظرية الثيوقراية تحولات عدة وفقاً لتلك الظروف، قسمتها إلى أنواع ثلاثة، وفي كل نوع منها، تحاول ان تجدلها منفذاً للسماء تغلّف بها نفسه.وهذا الغلاف هو الذي جعل بعض علماء المسلمين يعتقد بأن النظام الإسلامي هو نظام ثيوقراطي(66). بالشكل الذي حاول فيه البعض ان ينسب النظام الإسلامي إلى الديمقراطي والحقيقة ان النظام الإسلامي ليس ثيوقراطيا ـ كما سنرى ـ ولا يمكن ان يكون ثيوقراطيا، على الرغم من وجود بعض نقاط اللقاء بين النظام الإسلامي والأنظمة الثيواطية. وأبرز نقاط اللقاء هذه، إضافة إلى نقاط الافتراق، نلخصها في المحاور الثلاثة التالية: 1 ـ المبنى النظري: ويقف موضوع الحاكمية والسيادة في مقدمة موضوعاته، بل هو الأساس الذي تقف عليه النظرية الثيوقراطية. لأن الثيوقراطية التي افرزها فكر رجال الدين المسيحي لا تحتوي على نظام سياسي حقيقي، لأن المسيحية ـ كما يقول الإمام الخميني ـ "ليس فيها شيء سوى بضع نصائح أخلاقية، وهي تخلو من الأمور التي تختص بتدبير النظام والسياسة الحديثة والمدنية وقضايا البلدان وإدارتها. فلا يظنن أحد ان الإسلام يفتقد هو الآخر البرامج الخاصة بهذه الأمور"(67) وهي في الحقيقة ليست المسيحية، بل المسيحية الممسوخة. حين جعله مقتصرة على الأمور العبادية فقط(68) ومن هنا كان موضوع انتساب الحاكم الثيوقراطي إلى الإرادة الإلهية لا يعدو كونه حاجة زمنية ليفرض الحاكم نفسه، أو من وراءه، على الشعب، وليس لـه أصول نقلية في الديانة المسيحية.