[ 230 ] قال سهل: قلت لبعض من أثق بوفائه، وأعتقد صدق إخائه من خصيان القصر المتقدمين عند أمير المؤمنين، والمتمكنين من كل ما يكون لديه. ما الذي نعى جعفر بن يحيى وذويه عند أمير المؤمنين، وما كان من ذنبه الذي لم يسعه عفوه، ولم يأت عليه رضاه ؟ فقال: لم يكن له جرم، ولا لديه ذنب، كان والله جعفر على ما عرفته عليه، وفهمته عنه من اكتمال خصال الخير، ونزاهة النفس من كل مكروه ومحذور، إلا أن القضاء السابق، والقدر النافذ لا بد منه. كان من أكرم الخلق على أمير المؤمنين، وأقربهم منه، وكان أعظمهم قدرا وأوجبهم حقا فلما علم ذلك من حسن رأي أمير المؤمنين فيه وشديد محبته له، استأذنته أخته، فاختة بنت المهدي وشقيقته في إتحاف جعفر ومهاداته، فأذن لها، وكانت قد استعدت له بالجواري الرائعات، والقينات الفاتنات، فتهدي له كل جمعة بكرا يفتضها، إلى ما يصنع له من ألوان الطعام والشراب والفاكهة، وأنواع الكسوة والطيب، كل ذلك بمعرفة أمير المؤمنين ورأيه، فاستمرت بذلك زمانا، ومضت به أعواما. فلما كانت جمعة من الجمع، دخل جعفر القصر الذي استعدت به، ولم يرع جعفر إلا بفاختة ابنة المهدي في القصر، كأنها جارية من الجواري اللاتي كن يهدين له، فأصاب منها لذته، وقضى منها حاجته، ولا علم له بذلك. فلما كان المساء، وهم بالانصراف، أعلمته بنفسها، وعرفته بأمرها، وأطلعته على شديد هواها، وإفراط محبتها له، فازداد بها كلفا، وبها حبا، ثم استعفاها من المعاودة إلى ذلك. وانقبض عما كان يناله من جواريها، واعتذر بالعلة والمرض، فأعلم جعفر أباه يحيى. فقال له: يا بني أعلم أمير المؤمنين ما كان معجلا، وإلا فأذن لي فأعلمه، فإني أخاف علينا يوم سوء إن تأخر هذا، وبلغه من غيرنا، وإعلامك له في هذا الوقت يسقط عنا ذلك الذنب، فهي أحق بالعقوبة منك قال جعفر: لا والله لا أعلمته به أبدا، فالموت علي أيسر منه، وأرجو الله أن لا يطلعه عليه، فقال له يحيى: لا تظن هذا يخفى عليه، فأطعني اليوم وأعلمه. فقال جعفر: والله لا أفعل هذا أبدا ولا أتكلم به، وبالله أستعين، فلم يرع الرشيد إلا أن رفعت إليه جارية من جواريها رقعة، وأعلمت ذلك فيها فاستحق ذلك عند الرشيد باستعفاء جعفر لما كان من إتحافها، واعتذاره بالعلة من غير مرض ينهكه، فغفل عنه الرشيد، ولم ير لذلك جفوة، ولا زاد له إلا كرامة، ولا لديه إلا حرمة ورفعة، حتى قرب وقت الهلاك، ودنا ________________________________________