[ 228 ] قال: واذكري يا أم الرشيد أليتك: أن لا شفعت لمقترف ذنبا. قال سهل بن هارون: فلما رأته صرح بمنعها، ولاذ من مطلبها، أخرجت له حقا من زمردة (1) خضراء، فوضعته بين يديه، فقال الرشيد: ما هذا ؟ ففتحت عنه قفلا من ذهب، فأخرجت منه خفضه (2) وذوائبه وثناياه، قد غمست جميع ذلك في المسك. فقالت: يا أمير المؤمنين: أستشفع إليك، وأستعين بالله عليك، وبما صار معي من كريم جسدك، وطيب جوارحك، ليحيى عبدك. فأخذ هارون ذلك فلثمه، ثم استعبر وبكى بكاء شديدا. وبكى أهل المجلس، ومر البشير إلى يحيى، وهو لا يظن إلا أن البكاء رحمة له، ورجوع عنه. فلما أفاق رمى جميع ذلك في الحق، وقال لها: لحسن ما حفظت الوديعة. قالت: وأهل للمكافأة أنت يا أمير المؤمنين. فسكت، وطبع (3) الحق، ودفعه إليها، وقال: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) [ النساء: 58 ]، قالت: يا أمير المؤمنين وقال عزوجل: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) [ النساء: 58 ]، وقال تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) [ النحل: 91 ]، فقال لها: وما ذاك يا أم الرشيد ؟ قالت: ما أقسمت لي به يا أمير المؤمنين، أن لا يحجبك عني حاجب (4). فقال لها: يا أم الرشيد، أحب أن تشتريه محكمة فيه. قالت: أنصفت يا أمير المؤمنين، وقد فعلت غير مستقيلة لك، ولا راجعة عنك. قال: بكم ؟ قالت: برضاك عمن لم يسخطك. قال: يا أم الرشيد، أمالي عليك من الحق مثل الذي لهم ؟ قالت: بلى يا أمير المؤمنين، إنك لاعز علي، وهم أحب إلي، قال: إذا فتحكمي في ثمنه بغيرهم. قالت: بلى وقد وهبتكه وجعلتك في حل منه، وقامت عنه، فبقي الرشيد مبهوتا، ما يحير لفظة. قال سهل: وخرجت عنه فلم تعد إليه، ولا والله إن رأيت عيني لعينها عبرة، ولا سمعت أذني لنعيها أنة. قال سهل: وكان الامين رضيع يحيى بن جعفر، فمت إليه يحيى بن خالد بذلك، فوعده استيهاب أمه إياهم، ثم شغله اللهو عنهم، فكتب إليه يحيى، ________________________________________ (1) في العقد: زبرجدة. (2) في العقد: قميصه. (3) في العقد: وقفل. (4) في العقد: أن لا تحجبني ولا تجبهني. (*) ________________________________________