[ 227 ] بأذانا الشيطان، وقد ربيتك وأخذت برضاعي لك الامان من دهري. فقال لها: وما ذلك يا أم الرشيد ؟ قال سهل: فآيسني من رأفته بتركه كنيتها آخرا ما كان أطمعني منه في بره بها أولا. قالت له: ظئرك يحيى وأبوك بعد أبيك، ولا أرشحه (1) بأكثر مما عرفه به أمير المؤمنين من نصيحته له، وإشفاقه عليه، وتعرضه للحتف في شأن موسى أخيه. فقال: يا أم الرشيد، قدر سبق، وقضاء حم، وغضب من الله نزل. قالت: يا أمير المؤمنين: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. فقال الرشيد: صدقت، فهذا مما لا يمحوه الله. فقالت: الغيب محجوب عن النبيين، فكيف عنك يا أمير المؤمنين ؟ فأطرق الرشيد يسيرا ثم قال: وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع (2) فقال بغير روية: ما أنا ليحيى بتميمة يا أمير المؤمنين. وقد قيل: وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد * ذخرا يكون كصالح الاعمال (3) هذا بعد قول الله: (والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين) [ آل عمران: 134 ] فأطرق هارون قليلا ثم قال: إذا انصرفت نفسي عن الشئ لم تكد * إليه بوجه آخر الدهر تقبل فقالت: يا أمير المؤمنين وهو يقول: ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني * يمينك فانظر إي كف تبدل ؟ قال الرشيد: رضيت. فقالت: يا أمير المؤمنين، فهبه (4) لله تعالى، فقد قال رسول الله صلى عليه وسلم: من ترك شيئا لله لم يوجده الله، فأكب الرشيد مليا، ثم رفع رأسه وهو يقول: لله الامر من قبل ومن بعد. قالت: يا أمير المؤمنين: (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) [ الروم: 5 ]. واذكر يا أمير المؤمنين أليتك: ما استشفعت إلا شفعتني. ________________________________________ (1) في العقد: ولا أصفه. (2) البيت لابي ذؤيب. ديوان الهذليين 1 / 3، المفضليات ص 422. (3) البيت للاخطل (ذكره المبرد في الكامل ص 525 للخليل بن أحمد) وهو في ديوانه 1 / 140. طبقات النحويين ص 40. (4) قي العقد: فهبه لي يا أمير المؤمنين. (*) ________________________________________