[ 221 ] الاعرابي: أتمنعني حقا هو لي، وتدفعني عما بذلت لي يا أمير المؤمنين ! فقال الرشيد: هذا الامر لا يكون يا أعرابي، ولا سبيل إلى مثل هذا. فقال الاعرابي: لا بد من أن أصل إلى حقي، إلا أن أغصبه. فقال له الرشيد: يا أعرابي أشتري منك هذا الحق الذي وجب لك. فقال له الاعرابي: هذا الحق مما لا يشترى، وهل في الارض من المال ما يكون ثمنا لهذا أو عوضا منه ؟ لا والذي نفسي بيده ما في الدنيا صفراء ولا بيضاء يشترى بها هذا. فقال الرشيد: تبيعه ببعض ما تراه من الثمن: فإنه لا يكون ولا يتوصل إليه. فقال له الاعرابي: فإذا قد أبيت فأعطني مما أعطك الله، فأمر له بمئة ألف دينار، فأتي بها إليه. فقال الاعرابي: ما هذه ؟ فقيل له: هذه مئة ألف دينار تأخذها. فقال الاعرابي: هي للغرماء (1) علي، وهم أولى بها مني، فضحك الرشيد، ثم أمر له بمئة ألف أخرى. فقال: ما هذه ؟ فقيل له: مئة ألف ثانية، والاولى للغرماء، وهذه لك. فقال الاعرابي: هذه لضعفاء أهلي، يصلهم بها أمير المؤمنين، فبم أوسع على نفسي ؟ فأمر له الرشيد بمئة ألف ثالثة. فقيل له: هذه مئة ألف ثالثة، توسع بها على نفسك في معيشتك، أرضيت يا أعرابي ؟ فقال نعم رضيت، فرضي الله عنك يا أمير المؤمنين، وابني فضالة يقرأ السلام عليك، ويسألك مئة ألف، يستعين بها في نكاحه، ويتزين بها في دنياه، وإنه قد جمع القرآن وعرف شرائعه وأحكامه، وعلم ناسخه ومنسوخه، وتفنن في ضروب من العلم، وأحكم أنواع الادب، وقد جمع الدواوين والكتب، وتبحر في فهم الحديث والاثر، قد أخذ من كل علم أهذبه ومن كل ضرب أمحضه إلى لب لبيب، وعقل رصين، وعلم ثابت، ونظر عجيب، وفضل ودين، يصوم النهار كله، ويقوم الليل أكثره، وقد صار في كثير من الاهل والعيال، وعدد من البنين والصبيان. فقال الرشيد: أو لست تذكر يا أعرابي أنه يريد الاستعانة على النكاح، والتوسع في المعاش، ثم أراك تصفه بكثرة العيال، وعدد البنين والصبيان ؟ فقال الاعرابي: يا أمير المؤمنين إنه ذو ثلاث نسوة من حرائر النساء، وتسعة من سرائر الاماء، وهو ذو خمسة من الولد من كل حرة، وذو سبع بنات من كل أمة، ويبتغي نكاح الرابعة الحرة استتماما لما أمر الله به في التنزيل المحكم، وأباح في كتابه الناطق، بكلامه الصادق. فقال الرشيد: يا أعرابي لقد سألت كثيرا، فهلا سألت مئة ألف درهم فتعطاها ؟ ________________________________________ (1) الغرماء: جمع غريم. المدينين المخاصمين. (*) ________________________________________