[ 222 ] قال الاعرابي: فأعطه يا أمير المؤمنين تسعين ألف دينار، واحطط عنك عشرة آلاف دينار. فقال الرشيد: والله لقد سألت كثيرا، وحططت قليلا. قال الاعرابي: إنما سألتك يا أمير المؤمنين على قدرك، وحططت على قدري، فاختر ما شئت. فقال الرشيد: يا أعرابي إنما تريد مغالبتي، لا غلبتني اليوم، فأمر له بمئة ألف دينار ذهبا. فقال له أمير المؤمنين: أرضيت يا أعرابي ؟ فقال: ما بقي لي شئ يا أمير المؤمنين إلا الحملان والكسوة، وطرائف الكوفة، وتحف البصرة، وجوائز الضيافة وحقها. فقال الرشيد: وما يصلح لك من الحملان يا أعرابي ؟ فقال: أقصد ما يكون دابة للجمال، وأخرى للحملان وثلاثة للاسترحال، ولابني مثل ذلك، ومن الكسوة ما لا بد منه من ثيات المهنة والاستشعار، وما لا غنى عنه من الوطاء والدثار، مع رائع الثياب التي تكون للجمال والجماعات والاعياد، ولابني وبني ابني مثل ذلك. فدعا الرشيد بجعفر بن يحيى وقال: أرحني من هذا، وأمر له بما سأل من الحملان، وما أراد به من ثياب المهنة والجمال، وأغدق عليه من التحف والطرائف ما ترضيه به، وأخرجه عني، فخرج جعفر فأمر له بما سأل وأعطاه ما أراد. ثم انصرف الاعرابي راجعا إلى الحجاز بأموال عظيمة، لا يوصف أكثرها، ولا يعرف أقلها، وكل هذا يقل عندما عرف من جود الرشيد وسخائه، وجزيل عطائه. قتل جعفر بن يحيى بن برمك قال عمرو بن بحر الجاحظ: حدثني سهل بن هارون، قال (1): والله إن كان سجاعو الخطب، ومحبرو القريض لعيالا على يحيى بن خالد بن برمك وجعفر بن يحيى، ولو كان كلام يتصور درا، ويحيله المنطق السري جوهرا، لكان كلامهما، والمنتقى من لفظهما، ولقد كانا مع هذا عند كلام الرشيد، في بديهته، وتوقيعاته في أسافل كتبه، عيين، وجاهلين أميين، ولقد عبرت (2) معهم، وأدركت طبقة المتكلمين في أيامهم، وهم يرون أن البلاغة لم تستكمل إلا فيهم، ولم تكن مقصورة إلا عليهم، ولا انقادت إلا لهم، وأنهم محض الانام، ________________________________________ (1) في العقد الفريد 5 / 58 والله إن كانوا سجعوا للخطب، وقرضوا القريض لعيال. (2) في العقد: عمرت. (*) ________________________________________