[ 219 ] بينهم، وتولي القضاة في البلدان والامصار من تحت يدك، وتوليتهم إليك، وعزلهم عليك. فقال القاضي: إن يجبرني أمير المؤمنين على ذلك فسمعا وطاعة، وإن يخيرني في نفسي اخترت العافية، وجوار هذا البيت الحرام. فقال الرشيد: ما ينبغي لي أن أدع المسلمين وفيهم مثلك، لا أوليه عليهم، فخذ على نفسك فإني مصبح على ظهر إن شاء الله. فخرج الرشيد ومعه الفتى حتى قدم العراق، فولاه القضاء، وجعل إليه قضاء القضاة، فلم يزل بها قاضيا حتى توفي، وذلك بعد ثلاثة أعوام من توليته. فلما توفي اغتم الرشيد وشق عليه، فجعل الناس يعزونه فيه علما منهم بما بلغ منه الغم عليه. فسأل عن قاض يوليه قاضي القضاة في العراق بعد ذلك، فرفعت إليه تسمية عشرة رجال من خيار الناس وعلمائهم وأشرافهم، فلما رفعت إليه التسمية، أمر بهم فأدخلوا عليه رجلا رجلا، ليتفرس فيهم من يوليه القضاء، فنظر إلى رجل منهم توسم فيه الخير والعلم فأمر به فقدم إليه. فلما صار بين يديه، قال له: ما اسمك ؟ قال: معشوق. قال: فما كنيتك ؟ قال: أبو الهوى. قال: فما نقش خاتمك ؟ قال: دام الحب دام، وعلى الله التمام. فقال له: قم لا قمت. ثم دعا بالآخر، وكان قد تفرس فيه ما تفرس في صاحبه فقال له: ما نقش خاتمك ؟ فقال: " ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين " فقال له أخرج. فدعا الرشيد بيحيى بن خالد بن برمك، وكان ممن رفع إليه أسماءهم، فعنفه بهم، وقال: رفعت إلي أسماء المجانين. قال له: والله ما في العراقيين أعقل من الرجلين اللذين سألت، ولا أفضل منهما. فقال: ويحك إني اختبرت منهما جنونا. قال يحيى: إنهما والله كانا كارهين لما دعوتهما إليه وإنما أرادا التخلص منك. قال: ويحك، أعدهما علي، فطلبا فلم يوجدا. ذكر الاعرابي مع هارون الرشيد قال: وذكروا أن أعرابيا قدم على هارون الرشيد مستجديا، فأراد الدخول عليه، فلم يمكنه ذلك، فلما رأى أنه لم يؤذن له، أتى عبد الله بن الفضل الحاجب، فقال له: توصل كتابي هذا إلى أمير المؤمنين، وكان الرشيد قد عهد إلى حاجبه أن لا يحبس عنه كتاب أحد قرب أو بعد، فأعطاه الاعرابي كتابا فيه أربعة أسطر. السطر الاول فيه: الضرورة والامل قاداني إليك. والثاني العدم ________________________________________