[ 218 ] المؤمنين على ما ذكرته، أو يحلف وزيرك هذا. فقال له هارون: إن أخي لا يدافعني ما أقول، ولا ينكر إلا قليلا مما أدعي، فلم يزالا يرددان القول بينهما ويتنازعان، حتى قضى القاضي لامير المؤمنين على الوزير. فقال له: قم، فقام عنه. ثم دعا بالغلام الحدث، الذي دعته الطائفة الاخرى، فدخل عليه. فقال له: ادن مني، فدنا منه. فقال لها هارون: إن بيني وبين وزيري تنازعا وخصومة، فاسمع منا قولنا، ثم اقض بيننا بالحق، قال لهما: إن مقعدكما مختلف، ومجلسكما متناء، وأخشى إذا اختلف مجلسكما أن يختلف قولكما، فإذا تفاضل مجلس الخصوم اختلف بينهما القول، وكان صاحب المجلس الا رفع ألحن بحجته، وأدحض لحجة صاحبه، وكان إصغاء الحاكم إلى صاحب المجلس الا رفع أكثر، وإليه أميل، ولكن تقومان من مجلسكما هذا الذي قد استعليتما فيه، فتجلسا بين يدي، ثم أسمع منكما قولكما، وأقضى لمن رأيت الحق له، ثم لا أبالي على من دار منكما. فقال الرشيد: صدقت وبررت في قولك، فقام الرشيد، وقام عمرو بن مسعدة، حتى صارا بين يديه جالسين. فلما جلسا بين يديه ذهب الرشيد ليتكلم. فقال له القاضي: لو تركت هذا يتكلم، فإنه أسن منك. فقال الرشيد. إن الحق أسن منه. فقال القاضي: بلى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحويصة ومحيصة (1): كبر كبر. يريد ليتكلم عمكما، لانه أسن منكما وأكبر، فتكلم عمرو بن مسعدة، ثم تكلم الرشيد، وتنازعا الخصومة، وترافعا الحجة بينهما، حتى رأى القاضي أن الحق لعمرو، فقضى له به على الرشيد، فلما قضى عليه قال لهما: عودا إلى مجلسكما، فعادا، فعجب الرشيد من قضائه وعدله واحتفاظه، وقلة ميله، فالتفت إلى عمرو فقال: إن هذا أحق بقضاء القضاة من الذي استقضيناه. فقال عمرو: بلى والله، ولكن القوم أحق بقاضيهم إلا أن يأذنوا فيه، فدعا الرشيد برجال مكة، فأدخلهم على نفسه، وأجزل لهم العطاء، وأحسن على قاضيهم الثناء. ثم قال لهم: هل لكم أن تأذنوا أوليه قضاء القضاة، فيسير إلى العراق يقضي بينهم ؟ فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين أنت أحق به نؤثرك على أنفسنا. فأرسل إليه الرشيد فقال: إني قد وليتك قضاء القضاة، فسر إلى العراق لتقضي ________________________________________ (1) هما ابنا مسعود بن كعب بن عامر بن عدي.. الاوسي الانصاري، وحويصة الاكبر، أسلم حويصة بعد أخيه محيصة، وكان محيصة أفضل من أخيه (أسد الغابة 4 / 334). (*) ________________________________________