فقال يوما لحاجبه لا تأذن اليوم علي لأحد ولا تخبرني بخبر ولو كان فيه ذهاب ملكي .
وخلا بجاريته تلك في مجلس أنسه ومكان سروره ومعه من الدنيا ما يكون مع مثله فبينما هما على ما اشتهيا إذ أخذت حبة رمان فأدخلتها في فيها فشرقت بها فتخبطت حتى خرجت روحها بين يديه .
فلا تسأل عن حال يزيد وما طرأ عليه وما حل به فقد الصبر والعقل وتوله وتحير وتدله وأكثر الصراخ والبكاء والصياح والعجيج والضجيج ومنع من دفنها وصد عن مواراتها وأقامت على ذلك الحال أياما حتى تغيرت وأنتنت .
فاجتمع إليه بنو أمية وعزوه فيها وصبروه عنها وسألوه في دفنها وقالوا له يا أمير المؤمنين هذه فضيحة بنا وسبة علينا وأي فائدة لك في تركها وكم عسى أن تبقى على هذه الحالة وكم عسى أن تدوم على هذه الصفة فلم يزالوا به حتى كلمه النساء ممن يكرم عليه من أهله وسراريه إلى أن أمر بدفنها وخرج في جنازتها على رجليه .
فلما دفنت تمثل على قبرها ببيتين لكثير .
( وإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد ) .
( وكل خليل زارني فهو قائل ... من أجلك هذا هامة اليوم أو غد ) .
ثم أخرجها من قبرها بعد شهر وجعل يعانقها ويقبلها فاجتمع عليه أهله وبنو عمه من بني أمية وقالوا له ما هذا يا أمير المؤمنين والله لئن سمع بهذا لتخلعن من ملكك ولينقضن عليك أمرك وليقومن في مقامك هذا غيرك فأقصر عن هذا الهيمان وسكن من ذلك الهيجان ثم لم يزل واجدا عليها محزونا بموتها إلى أن مات ولم يعش بعدها إلا يسيرا وكذلك غيره وغيره ويروى أنه ما عاش من بعدها إلا تسعة أيام أو نحوها