أكثر من العافية وكلما عظم ملكه عظمت همته وامتد أمله وأراد ما لا يمكن وطلب مالا يجد وقد يأتيه النكد من حيث لا يظن ويدخل معه الهم من حيث لا يحتسب ولو من جارية يحبها أو امرأة يشغف بها فيجعلها قبلته ويصفي لها مودته ويخلص لها محبته ويريد منها مثل ذلك والقلوب قد تتنافر والمزاج ربما يختلف والطباع قد لا تتفق فيرى منها خلاف الذي يريد ويجد عندها غير الذي يطلب ولا يقدر على معاقبتها لأنه إن عاقبها إنما يعاقب نفسه وإن آلمها إنما يؤلم قلبه فتجده يتحمل منها مالا يتحمل من بعض رعيته فبينما هو ملك إذ قد صار مملوكا وبينما هو رئيس إذ قد عاد مرؤوسا .
كما قد سمع وتحقق عن بعض الملوك حتى قال أمير المؤمنين هارون الرشيد وقصته مشهورة .
( ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان ) .
( مالي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصيان ) .
( ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني ) .
وقد تكون صادقة في محبتها مخلصة في مودتها فيتهمها في ودادها ولا يصدقها في إخلاصها لشدة كلفه بها وفرط محبته لها لأنه يتخيل أن عيشه لا يطيب وسروره لا يتم وفرحه لا يكون إلا بأن تخلص له المودة من قلبها وتحبه من ذات نفسها وقد تكون له كما يريد فيخلع عنانه معها ويستوي سروره بها فيصاب فيها بمرض أو يفجع فيها بموت فيعود الفرح حزنا والسرور هما .
كما يروى في قصة يزيد بن عبد الملك أمير المؤمنين أنه كان مشغوفا بجارية يقال لها حبابة وكانت قد ملأت قلبه وأطاشت عقله وأذهبت لبه ونزلت من نفسه حيث أرادت وحلت منه بالمحل الذي شاءت وكان قد نزل منها بالمكان الذي نزلت منه