ويروى أن الهادي أمير المؤمنين كان له جارية تسمى غادر وكانت أحظى من عنده وأغلبهم على قلبه وأملكهم لنفسه وكانت من أحسن الناس وجها وأطيبهم غناء كان إبراهيم الموصلي هو الذي رباها وأدبها وعلمها وباعها بعشرة آلاف دينار .
فبينما الهادي يوما يشرب مع ندمائه وهي تغنيهم من وراء الستارة إذ عرض له فكر وسهو وتغير لون وقطع الشراب فقال له ندماؤه مالك يا أمير المؤمنين قال وقع في فكري أني أموت وأن أخي هارون يلي الخلافة بعدي ويتزوج جاريتي غادر هذه فقالوا له نعيذك بالله يا أمير المؤمنين ويطيل الله بقاءك ونتقدم نحن وهو بين يديك ونموت قبلك فقال لهم ليس هذا مما يزيل ما في نفسي ثم أمر أن يؤتى برأس هارون ثم رجع عن ذلك وأمر بإحضاره فعرفه بما خطر بباله فاستعطفه هارون وجعل يكلمه بما يوجب زوال ما في نفسه ويخضع له ويتذلل فلم يقنع بذلك وقال لا أرضى حتى تحلف لي بكل ما أحلفك به أني إذا مت لم تتزوج جاريتي هذه غادر قال افعل فأحلفه بكل يمين يحلف بها الناس من طلاق وعتاق وحج راجلا وغير ذلك من الأيمان المؤكدة أنه لا يتزوجها أبدا فحلف له بجميع ذلك فرضي وسكن ذلك الخاطر عنه .
ثم قام إلى الجارية ودخل عليها الستر فأحلفها بالأيمان المؤكدة من الحج والعتق والصدقة وما يحلف به النساء أنها لا تتزوجه أبدا قال فلم يلبث بعدها إلا شهرا أو نحوه حتى مات .
وولى هارون الخلافة بعده فلما ولي بعث إلى الجارية فخطبها فقالت يا أمير المؤمنين كيف بأيماني وأيمانك قال اكفر عن أيماني وأيمانك وأحج راحلا ففعل وتزوجها فوقعت من قلبه ألطف موقع وشغف بها اشد من شغف أخيه الهادي حتى كانت تسكر وتنام في حجره فلا يتحرك ولا ينقلب حتى تنتبه .
فبينما هي ليلة نائمة في حجره إذ انتبهت فزعة مرعوبة فقال لها مالك