وهي بها أشغف وفي طلبها أهلك وأتلف وعن طريق الرشد أبعد وأصرف .
وإن حب الدنيا لهو الداء العضال الذي أهلك الرجال وأفسد كثيرا من الأعمال إلا أن تأتي العناية الإلهية والشفاعة الربانية فتصرف الإنسان إلى النظر الصحيح وتحمله على الطريق المستقيم فيرى بعين الحقيقة وصحيح البصيرة أنه لا بد من الموت وإن طال المدى وامتد الطلق وبعدت الغاية وأنه يدفن تحت أطباق الثرى ويرمي به في ظلمات الأرض ويسلط الدود على جسده والهوام على بدنه فتأخذه من قرنه إلى قدمه وقد عدم الطبيب وأسلمه القريب وتركه الولي والحبيب وعرض عليه عذاب السعير وأتاه منكر ونكير ولم يجد هنالك أنيسا إلا عمله ولا صاحبا إلا فعله الذي فعله كما قال القائل .
( أسلمني الأهل ببطن الثرى ... وانصرفوا عني فيا وحشتا ) .
( وغادروني معدما يائسا ... ما بيدي اليوم إلا البكا ) .
( وكل ما كان كأن لم يكن ... وكان ما حاذرته قد أتى ) .
( وذاكم المجموع والمقتنى ... قد صار في كفي مثل الهبا ) .
( ولم أجد لي مؤنسا هاهنا ... غير فجور كان لي أو تقى ) .
( فلو تراني أو ترى حالتي ... بكيت لي يا صاح مما ترى ) .
وأما الدنيا فينظر إليها فإن كان ملكا نظر إلى من تقدمه من الملوك وما فعل الدهر بهم كيف فرق جموعهم وشتت جميعهم واقفرت منهم قصورهم وعمرت بهم حفرهم وقبورهم .
وينظر إلى أيام ملكه هل يخلو من عدو يكابده أو منازع يكايده أو قتال يكافحه أو مرض يهجم عليه أو خلط سوء يثور معه .
وأنه كما قيل تمرة بجمرة إن نال لذة تجرع بعدها غصة وإن أتته فرحة غشيته في أثرها ترحة بل ربما كانت الترحات أكثر من الفرحات والداهية