وأما أكثر الشباب فيقول إذا كبرت تبت والطلق ممتد والميدان عريض ولا يرى هذا البائس أنه قد شيع إلى الآخرة من كان اصغر منه سنا وأحدث منه بالرحم عهدا قد غرته الشبيبة وخدعته الصحة وتمكنت منه الغرة بما عنده من الثروة والقوة .
يقول أنا صحيح ومتى أمرض ومتى أموت ولا يرى المسكين أن الموت في الشباب أكثر وحادثه إليهم فيه أسرع وأن الذي يموت في الهرم قليل وأن الإنسان يموت بغتة وإن لم يمت بغتة مرض بغتة ثم مات كما يروى أن الحسن قيل له إن فلانا مات بغتة فقال ما تعجبكم من ذلك إنه لو لم يمت بغتة لمرض بغتة ثم مات أما يعلم هذا المسكين المغرور ان الأرض كلها مكان للموت وأن الزمان كله وقت للموت لا يختص من الأرض بمكان دون مكان ولا من الزمان بوقت دون وقت فلا يزال هذا المغرور منكبا على شهوته مثابرا على لذته غافلا عن يوم صرعته حتى يؤخذ بما تأخر وما تقدم ويلقى صريعا لليدين والفم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم تبكيه بواك طال ما من حبها أضحكته وتندبه نوادب طال ما قبل ذلك غنته .
وفي مثل ذلك قيل .
( تندبه نادبة طال ما ... غنته من قبل وغنى لها ) .
( ولم يكن يخطر ذا باله ... ولم تكن تخطر ذا بالها ) .
فانظر رحمك الله كيف يقصر مع هذه الأحوال أمل أو يستقيم معها عمل أو كيف يطمع مع هذه الموانع أن يخرج حب الدنيا من القلب أو يقطع علائقها عن النفس أو يخطر بالخاطر ذكر الموت كلا .
حب الدنيا في القلب أرسخ وإخراجها منه أصعب والنفس إليها أميل