يمشي به في الظلمات على ما يرجى من منته وفضله لا رب غيره ولا معبود سواه .
وربما كان الرجل مبخوتا من أول عمره إلى آخره فيولد في نعمة ويتربى في نعمة وينشأ في نعمة تمد عليه ظلالها وتطول من خلفه أذيالها ويجدد عليه في كل حين إسعادها وإقبالها قد صار لوالديه دينا ودنيا فله يقومان وله يقعدان وله يهتمان وله يجمعان وبعينيه ينظران وبأذنيه يسمعان ثم يموتان ويسلمان له تلك النعمة بكمالها ويتركانها له على حالها لم يسمع له فيها أنين ولا عرق له فيها جبين فيبقى هو على ما كان عليه يمد في تلك النعمة يديه ورجليه ويفتح لها عينيه وأذنيه فما شاء من لذة نال في الحال وأخرى تنتظر في المآل كلما نال لذة سعى في الأخرى وكلما وصل إلى مطلوب نظر في غيره لم يصحب إلا شكله ولا يسمع إلا قوله ولا رأى إلا عمله وفعله فإن ذكر بالتوبة أو خوف بالموت قال دعنا من هذا وحدثنا في غير هذا هذه سنوات الصبا وأيام الشباب ومنازل اللذات ومرتع الأحباب .
كما قال القائل فيه وفي أمثاله .
( نال أمورا خاب من نالها ... ثم سعى يطلب أمثالها ) .
( وواقع الذنب فما هاله ... والباذخات الشم قد هالها ) .
( وقال هذي سنوات الصبا ... فاسحب على رسلك أذيالها ) .
( وقم إلى خاتم جريالها ... ففضه واستف جريالها ) .
( ومن يقل في شأننا قولة ... فخلها في فم من قالها ) .
( أما ترى القضبان ميالة ... فامدد على رأسك ميالها ) .
( ومر يستهتر في عصبة ... من شكله تصحب أشكالها ) .
( أولى له ثمت أولى له ... وتلكم العصبة أولى لها ) .
( يا ويحه من غافل يا له ... وتلكم يا ويحها يا لها )