@ 151 @ لذلك الشرط فإن ذلك لا نظير له ألبتة في كتاب الله ، ولا توجد فيه آية تدل على مثل هذا المعنى . .
الأمر الثالث : هو أن القول بأن ( إن ) شرطية لا يمكن أن يصح له معنى في اللغة العربية ، إلا معنى محذور ، لا يجوز القول به بحال ، وكتاب الله جل وعلا ، يجب تنزيهه عن حمله على معان محذورة لا يجوز القول بها . .
وإيضاح هذا أنه على القول بأن ( إن ) شرطية ، وقوله : { فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } جزاء الشرط لا معنى لصدقه ألبتة إلا بصحة الربط بين الشرط والجزاء . .
والتحقيق الذي لا شك فيه أن مدار الصدق والكذب في الشرطية المتصلة ، منصب على صحة الربط بين مقدمها الذي هو الشرط وتاليها الذي هو الجزاء ، والبرهان القاطع على صحة هذا ، هو كون الشرطية المتصلة ، تكون في غاية الصدق مع كذب طرفيها معاً ، أو أحدهما لو أزيلت أداة الربط بين طرفيها ، فمثال كذبهما معاً مع صدقها قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } فهذه قضية في غاية الصدق كما ترى ، مع أنها لو أزيلت أداة الربط بين طرفيها كان كل واحد من طرفيها ، قضية كاذبة بلا شك ، ونعني بأداة الربط لفظة لو من الطرف الأول ، واللام من الطرف الثاني ، فإنهما لو أزيلا وحذفا صار الطرف الأول كان فيهما آلهة إلا الله ، وهذه قضية في منتهى الكذب ، وصار الطرف الثاني فسدتا أي السماوات والأرض ، وهذه قضية في غاية الكذب كما ترى . .
فاتضح بهذا أن مدار الصدق والكذب في الشرطيات على صحة الربط بين الطرفين وعدم صحته . .
فإن كان الربط صحيحاً فهي صادقة ، ولو كذب طرفاها أو أحدهما عند إزالة الربط . .
وإن كان الربط بينهما كاذباً كانت كاذبة كما لو قلت : لو كان هذا إنساناً لكان حجراً ، فكذب الربط بينهما وكذب القضية بسببه كلاهما واضح . .
وأمثلة صدق الشرطية مع كذب طرفيها كثيرة جداً كالآية التي ذكرنا ، وكقولك لو كان الإنسان حجراً لكان جماداً ، ولو كان الفرس ياقوتاً لكان حجراً ، فكل هذه القضايا ونحوها صادقة مع كذب طرفيها لو أزيلت أداة الربط . .
ومثال صدقها مع كذب أحدهما ، قولك لو كان زيد في السماء ما نجا من الموت