@ 231 @ ما أفسدته البهائم بالليل على أربابها ، وفي النهار على أهل الحوائط حفظها . ومشهور مذهب مالك وأحمد والشافعي أنه يضمن بقيمته كما تقدم . وأبو حنيفة يقول : لا ضمان مطلقاً في جناية البهائم ، ويستدل بالحديث الصحيح : ( العَجْمَاءُ جُبَارٌ ) أي جرحها هدر . والجمهور يقولون : إن الحديث المذكور عام وضمان ما أفسدته ليلاً مخصص له . وذهب داود ومن وافقه إلى أن ما أتلفته البهائم بغير علم مالكها ولو ليلاً ضمان فيه ، وأما إذا رعاها صاحبها باختياره في حرث غيره فهو ضامن بالمثل . .
واعلم أن القائلين بلزوم قيمة ما أفسدته البهائم ليلاً يقولون : يضمنه أصحابها ولو زاد على قيمتها . خلافاً لليث القائل : لا يضمنون ما زاد على قيمتها . وفي المسألة تفاصيل مذكورة في كتب الفروع . وصيغة الجمع في الضمير في قوله { لِحُكْمِهِمْ } الظاهر أنها مراد بها سليمان وداود وأصحاب الحرث وأصحاب الغنم ، وأضاف الحكم إليهم لأن منهم حاكماً ومحكوماً له ومحكوماً عليه . .
وقوله : { فَفَهَّمْنَاهَا } أي القضية أو الحكومة المفهومة من قوله : { إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ } وقوله : { وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا } أي أعطينا كلاً من داود وسليمان حكماً وعلماً . والتنوين في قوله : { وَكُلاًّ } عوض عن كلمة أي كل واحد منهما . .
! 7 < { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الاٌّ رْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَىْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذالِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ * وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَاهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ * وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ * وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَآ ءَايَةً لِّلْعَالَمِينَ * إِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ * وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ياوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَاذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَاؤُلاءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَائِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِى مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } > 7 ! قوله تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه سخر الجبال أي ذللها ، وسخر الطير تسبح مع داود . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة : من تسخيره الطير ، والجبال تسبح مع نبيه داود بينه في غير هذا الموضع . كقوله تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً ياجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } . وقوله : { أَوّبِى مَعَهُ } أي رجعي معه التسبيح . { وَالطَّيْرُ } أي ونادينا الطير بمثل ذلك من ترجيح التسبيح معه . وقوله من قال { أَوّبِى مَعَهُ } : أي سيري معه ، وأن التأويب سير النهار ساقط كما ترى . وكقوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاٌّ يْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } . .
والتحقيق : أن تسبيح الجبال والطير مع داود المذكور تسبيح حقيقي . لأن الله جل وعلا يجعل لها إدراكات تسبح بها ، يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها . كما قال :