@ 232 @ { وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } ، وقال تعالى : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } ، وقال تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الاٌّ مَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } . وقد ثبت في صحيح البخاري : أن الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما انتقل عنه بالخطبة إلى المنبر سمع له حنين . وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عَلَيَّ قبل أن أُبعث . إني لأعرفه الآن ) وأمثال هذا كثيرة . والقاعدة المقررة عند العلماء : أن نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن ظاهرها المتبادر منها إلا بدليل يجب الرجوع إليه . والتسبيح في اللغة : الإبعاد عن السوء ، وفي اصطلاح الشرع : تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله . .
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ } أي جعلناها بحيث تطيعه إذا أمرها بالتسبيح والظاهر أن قوله { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } مؤكد لقوله : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ } والموجب لهذا التأكيد : أن تسخير الجبال وتسبيحها أمر عجب خارق العادة ، مظنة لأن يكذب به الكفرة الجهلة . .
وقال الزمخشري { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي قادرين على أن نفعل هذا . وقيل : كنا نفعل بالأنبياء مثل ذلك . وكلا القولين اللذين قال ظاهر السقوط . لأن تأويل { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } بمعنى كنا قادرين بعيد ، ولا دليل عليه كما لا دليل على الآخر كما ترى . .
وقال أبو حيان { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي فاعلين هذه الأعاجيب من تسخير الجبال وتسبيحهن ، والطير لمن نخصه بكرامتنا ا ه ، وأظهرها عندي هو ما تقدم ، والعلم عند الله تعالى . وقوله تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } . الضمير في قوله { عَلَّمْنَاهُ } راجع إلى داود ، والمراد بصيغة اللبوس : صنعة الدروع ونسجها . والدليل على أن المراد باللبوس في الآية الدروع : أنه أتبعه بقوله { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } أي لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض ، لأن الدرع تقيه ضرر الضرب بالسيف ، والرمي بالرمح والسهم ، كما هو معروف . وقد أوضح