@ 218 @ الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه . وهذا القول هو الصحيح . فإن الحكم ببطلانها حكم بالتحريم والتأثيم . ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ، ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله . كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ، ولا حرام إلا ما حرمه الله : ولا دين إلا ما شرعه الله ، فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر . والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم . والفرق بينهما : أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله . فإن العبادة حقه على عباده ، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه . وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها ، ولذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين : وهو تحريم ما لم يحرمه ، والتقرب إليه بما لم يشرعه ، وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفواً لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله . فإن الحلال ما أحل الله ، والحرام ما حرمه الله ، وما سكت عنه فهو عفو . فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها ، فإنه لا يجوز القول بتحريمها . فإنه سكت عنها رحمة منه من غير نسيان وإهمال . فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيما عدا ما حرمها وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود والعهود كلها فقال : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } ، وقال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ } ، وقال : { وَالَّذِينَ هُمْ لاًّمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } ، وقال تعالى : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } ، وقال تعالى : { ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ، وقال : { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ } وهذا كثير في القرآن . .
وفي صحيح مسلم من حديث الأعمش عن عبد الله بن مُرَّةَ عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خَلَّةٌ منهن كانت فيه خصلَّةٌ من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ) . وفيه عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : ( من علامات المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائْتُمِن خان ) . وفي رواية : إن صام وصلى وزعم أنه مسلم . .
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : ( يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة