@ 219 @ بقدر غدرته فيقال : هذه غدرة فلان ابن فلان ) وفيهما من حديث عقبة بن عن عامر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) . وفي سنن أبي داود عن أبي رافع قال : بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيته أُلْقِيَ في قلبي الإسلام فقلت : يا رسول الله والله إني لا أرجح إليهم أبداً ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أخِيسُ بالعهد ، ولا أحبس البُردَ ، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع ) قال : فذهبت ثم أتيت النَّبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت . وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال : ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حُسَيْلٌ وقال : فأخذنا كفار قريش قالوا : إنكم تريدون محمداً ؟ فقلنا : ما نريده . ما نريد إلا المدينة . فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه . فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر فقال : ( انصَرِفا . نَفي لهم بعهدهم ، ونستعين الله عليهم ) إلى آخر كلامه رحمه الله في هذا المبحث . والمقصود عنده دلالة النصوص على الوفاء بالعهود والشروط ، ومنع الإخلاف في ذلك ، إلا ما دل عليه دليل خاص ، وذلك واضح من النصوص التي ساقها كما ترى . .
ثم بين رحمه الله أن المخالفين في ذلك يجيبون عن الحجج المذكورة تارة بنسخها ، وتارة بتخصيصها ببعض العهود والشروط ، وتارة بالقدح في سند ما يمكنهم القدح فيه ، وتارة بمعارضتها بنصوص أخر ، كقول النَّبي صلى الله عليه وسلم : ( ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط . كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ) . وكقوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . .
وكقوله تعالى : { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . وأمثال ذلك في الكتاب والسنة . قال : وأجاب الجمهور عن ذلك بأن دعوى النسخ والتخصيص تحتاج إلى دليل يجب الرجوع إليه ولا دليل عليها ، وبأن القدح في بعضها إلا يقدح في سائرها ، ولا يمنع من الاستشهاد بالضعيف وإن لم يكن عمدة لاعتضاده بالصحيح ، وبأنها لا تعارض بينها وبين ما عارضوها به من النصوص . .
ثم بين أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وما كان من شرط ليس في كتاب الله ) أي في حكمه وشرعه ، كقوله تعالى : { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كتاب الله القصاص ) في كسر السن . قال : فكتابه سبحانه يطلق على كلامه وعلى حكمه الذي حكم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن كل شرط ليس في حكم الله فهو مخالف له ، فيكون