@ 215 @ .
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ) بعد أن ذكر قول من منع القياس مطلقاً ، وقول من غلا فيه ، وذكر أدلة الفريقين ما نصه : .
وقال المتوسطون بين الفريقين : قد ثبت أن الله سبحانه قد أنزل الكتاب والميزان . فكلاهما في الإنزال أخوان ، وفي معرفة الإحكام شقيقان ، وكما لا يتناقض الكتاب في نفسه ، فالميزان الصحيح لا يتناقض في نفسه ، ولا يتناقض الكتاب والميزان ، فلا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة ولا دلالة الأقيسة الصحيحة ، ولا دلالة النص الصريح والقياس الصحيح . بل كلما متصادقة متعاضدة متناصرة ، يصدق بعضها بعضاً ويشهد بعضها لبعض . فلا يناقض القياس الصحيح ، النص الصحيح أبداً . .
ونصوص الشارع نوعان : أخبار ، وأوامر ، فكما أن أخباره لا تخالف العقل الصحيح ، بل هي نوعان : نوع يوافقه ويشهد على ما يشهد به جملة ، أو جملة وتفصيلاً . ونوع يعجز عن الاستقلال بإدراك تفصيله وإن أدركه من حيث الجملة . فهكذا أوامر سبحانه نوعان : نوع يشهد به القياس والميزان ، ونوع لا يستقل بالشهادة به ولكن لا يخالفه .
وكما أن القسم الثالث في الأخبار محال وهو ورودها بما يرده العقل الصحيح ، فكذلك الأوامر ليس فيها ما يخالف القياس والميزان الصحيح . وهذه الجملة إنما تنفصل بتمهيد قاعدتين عظيمتين . .
إحداهما أن الذكر الأمري محيط بجميع أفعال المكلفين أمراً ونهياً ، وإذناً وعفواً . كما أن الذكر القدري محيط بجميعها علماً وكتابة وقدراً . فعلمه وكتابته وقدره قد أحصى جميع أفعال عباده الواقعة تحت التكليف وغيرها . وأمره نهيه وإباحته وعفوه قد أحاط بجميع أفعالهم التكليفية . فلا يخرج فعل من أفعالهم عن أحد الحكمين : إما الكوني ، وإما الشرعي الأمري . فقد بين الله سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمر به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه . وبهذا يكون دينه كاملاً كما قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص ، وعن وجه الدلالة وموقعها ، وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله لا يحصيه إلا الله جل وعلا . ولو كانت الأفهام متساوية لتساوت أقسام العلماء في العلم ، ولما خص سبحانه سليمان بفهم الحكومة في الحرث ، وقد أثنى عليه وعلى داود بالحكم والعلم . وقد قال عمر لأبي