@ 214 @ العمياء مما سكت الله عن حكم التضحية به فيكون ذلك عفواً . وإدخال العمياء في اسم العوراء لغة غير صحيح . لأن المفهوم من العور غير المفهوم من العمى . لأن العور لا يطلق إلا في صورة فيها عين تبصر . بخلاف العمى فلا يطلق في ذلك . وتفسير العور : بأنه عمى إحدى العينين لا ينافي المغايرة . لأن العمى المقيد بإحدى العينين غير العمى الشامل للعينين معاً . وبالجملة فالمعنى المفهوم من لفظ العور غير المعنى المفهوم من لفظ العمى . فوقوف الظاهرية مع لفظ النص يلزمه جواز التضحية بالعمياء لأنها مسكوت عنها وأمثال هذا منهم كثيرة جداً . وقصدنا التنبيه على بطلان أساس دعواهم ، وهو الوقوف مع اللفظ من غير نظر إلى معاني التشريع والحكم والمصالح التي هي مناط الأحكام ، وإلحاق النظير بنظيره الذي لا فرق بينه وبينه يؤثر في الحكم . .
واعلم أن التحقيق الذي لا شك فيه : أن الله تعالى يشرع الأحكام لمصالح الخلق . فأفعاله وتشريعاته كلها مشتملة على الحكم والمصالح من جلب المنافع ، ودفع المضار . فما يزعمه كثير من متأخري المتكلمين تقليداً لمن تقدمهم : من أن أفعاله جل وعلا لا تعلل بالعلل الغائية ، زاعمين أن التعليل بالأغراض يستلزم الكمال بحصول الغرض المعلل به ، وأن الله جل وعلا منزه من ذلك لاستلزامه النقص كله كلام باطلا ولا حاجة إليه البتة ا لأنه من المعلوم بالضرورة من الدين : أن الله جل وعلا غني لذاته الغني المطلق ، وجميع الخلق فقراء إليه غاية الفقر والفاقة والحاجة : { ياأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ } ، ولكنه جل وعلا يشرع ويفعل لأجل مصالح الخلق المحتاجين الفقراء إليه . لا لأجل مصلحة تعود إليه هو سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً . .
وادعاء كثير من أهل الأصول : أن العلل الشرعية مطلق أمارات وعلامات للأحكام ناشىء عن ذلك الظن الباطل . فالله جل وعلا يشرع الأحكام لأجل العلل المشتملة على المصالح التي يعود نفعها إلى خلقه الفقراء إليه . لا إلى الله جل وعلا { إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى الاٌّ رْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ } . وقد صرح تعالى وصرح رسوله صلى الله عليه وسلم : بأنه يشرع الأحكام من أجل الحكم المنوطة بذلك التشريع . وأصرح لفظ في ذلك لفظة ( من أجل ) وقد قال تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ } ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) . .
وقد قدمنا أمثلة متعددة لحروف التعليل في الآيات القرآنية الدالة على العلل الغائية المشتملة على مصالح العباد ، وهو أمر معلوم عند من له علم بحكم التشريع الإسلامي .