@ 210 @ ولا هدى إليه فليس من الحق ، وقال تعالى : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } فقسم الأمور إلى قسمين لا ثالث لهما : اتباع لما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، واتباع الهوى . .
قالوا : والرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع أمته إلى القياس قط ، بل قد صح عنه بأنه أنكر على عمر وأسامة محض القياس في شأن الحلتين اللتين أرسل بهما إليهما فلبسها أسامة قياساً للبس على التملك والانتفاع والبيع ، وكسوتها لغيره ، وردها عمر قياساً لتملكها على لبسها . فأسامة أباح ، وعمر حرم قياساً . فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد من القياسين . وقال لعمر : ( إنما بَعَثْتُ بِهَا إلَيْك لِتَسْتَمتِعَ بِهَا ) . وقال لأسامة : ( إني لم أَبْعَث إلَيْك بِها لِتَلْبِسَهَا ولكن بَعَثتها إلَيْك لتُشقها خُمُراً لِنِسَائِك ) ، والنَّبي صلى الله عليه وسلم إنما تقدم إليهم في الحرير بالنص على تحريم لبسه فقط . لقاسا قياساً أخطأ فيه . فأحدهما قاس اللبس على الملك ، وعمر قاس التملك على اللبس ، والنَّبي صلى الله عليه وسلم بين أن ما حرمه من اللبس لا يتعدى إلى غيره ، وما أباحه من التملك لا يتعدى إلى اللبس . .
قالوا : وهذا عين إبطال القياس . وقالوا : وقد صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ثعلبة الخشني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله فَرَض فَرَائِض فلا تُضَيِّعُوها ، وحَد حُدُوداً فلا تَعْتَدُوهَا ، وَنَهَى عن أَشْيَاء فلا تَنْتَهِكُوها ، وسكت عن أشياء رَحْمَة لَكُم غَيْر نِسْيَان فلا تَبْحَثُوا عنها ) ، قالوا : وهذا الخطاب عام لجميع الأمة أولها وآخرها . .
قالوا : وقد جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد من حديث سلمان رضي الله قال : سئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن أَشْيَاء فقال : ( الحَلاَل ما أحَلَّه الله ، والحَرَام ما حَرمَ الله ، ومَا سَكَتَ عَنْه فهو مِمَّا عَفَا عَنْه ) . قالوا : وكل ذلك يدل على أن المسكوت عنه معفو عنه . فلا يجوز تحريمه ولا إيجابه بإلحاقه بالمنطوق به . قالوا : وقال عبد الله بن المبارك : ثنا عيسى بن يونس ، عن جرير بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه عن عوض بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بن تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم . فيحلون الحرام ويحرمون الحلال ) . قال قاسم بن أصبغ : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، ثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله . . فذكره وهؤلاء كلهم أئمة ثقات حفاظ . إلا جرير بن عثمان فإنه كان منحرفاً عن علي رضي الله عنه ، ومع ذلك فقد احتج به البخاري في صحيحه ، وقد روي عنه أنه تبرأ مما نسب إليه من الانحراف