ولكن لا يخفاك أنه لا ملازمة بين جواز شرب ما وقع فيه الذباب وبين طهارته فقد يكون ذلك لعدم الاستقذار وقد يكون لتعذر الاحتراز من وقوعه في الأشربة لكثرة وجوده فالظاهر أن له حكم سائر الحيوانات في ميتته ولا ينافي ذلك تخصيصه بالتخفيف في شرب ما وقع فيه فإن ذلك تخصيص لما ورد في عموم الميتة على تقدير ورود أنه لا يحل شرب ما وقعت فيه الميتة على العموم ولكنه لم يرد ذلك إلا خصوصا لا عموما .
قوله وما لا تحله الحياة .
أقول إذا تقرر بالدليل نجاسة مجموع الميتة فتخصيص بعض ما هو منها والحكم عليه بالطهارة محتاج إلى دليل ومجرد كونها لا تحله الحياة لا يصلح لذلك لأن الحكم بنجاسة الميتة يشمله وقد استدل في ضوء النهار على طهارته بالاتفاق فإن صح ذلك كان دليلا مخصصا عند من يرى حجية الإجماع ولكن الخلاف في المسألة معروف .
وممن قال بنجاسة ما لا تحله الحياة المرتضى وأبو العباس .
قوله وهذه مغلظة .
أقول الوصف لبعض النجاسات بالتغليظ ولبعضها بالتخفيف هو مجرد اصطلاح لا يرجع إلى دليل والواجب اتباع الدليل في إزالة عين النجاسة فما ورد فيه الغسل حتى لا يبقى منه لون ولا ريح ولا طعم كان ذلك هو تطهيره وما ورد فيه الصب أو الرش أو الحت أو المسح على الأرض أو مجرد المشي في أرض طاهرة كان ذلك هو تطهيره .
وقد ثبت في السنة أن النعل الذي يصيبه القذر يطهر بالمسح وهو من المغلظة اصطلاحا وكذلك ورد في الثوب إذا أصابه القذر عند المشي على أرض قذرة أنه يطهره المرور على أرض طاهرة .
والحاصل أن الشارع الذي عرفنا كيفية تطهير النجاسات هو الذي عرفنا كون هذه العين نجسة أو متنجسة والواجب علينا اتباع قوله وامتثال أمره وطرح الشكوك الشيطانية والتوهمات الفاسدة فإن ذلك مع كونه مخالفة للشريعة السمحة السهلة هو أيضا غلو في الدين وقد ورد النهي عنه وهو أيضا إفراط ودين الله إنما يؤخذ عن الله وعن رسوله