أن كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازورا وغيرهما قالوا لرسول الله A : إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى . فنزلت . وقيل : كتابا إلى فلان وكتابا إلى فلان أنك رسول الله وقيل : كتابا نعاينه حين ينزل . وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت قال الحسن : ولو سألوه لكي يتبينوا الحق لأعطاهم وفيما آتاهم كفاية " فقد سألوا موسى " جواب لشرط مقدر . معناه : إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى . " أكبر من ذلك " وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم في أيام موسى وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم ومضاهين لهم في التعنت " جهرة " عيانا بمعنى أرنا نره جهرة " بظلمهم " بسبب سؤالهم الرؤية . ولو طلبوا أمرا جائزا لما سموا ظالمين ولما أخذتهم الصاعقة كما سأل إبراهيم عليه السلام أن يريه إحياء الموتى فلم يسمعه ظالما ولا رماه بالصاعقة فتبا للمشبهة ورميا بالصواعق " وآتينا موسى سلطانا مبينا " تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه واحتبوا بأفنيتهم والسيوف تتساقط عليهم فيالك من سلطان مبين " بميثاقهم " بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه " وقلنا لهم " والطور مطل عليهم " ادخلوا الباب سجدا " ولا تعدوا في السبت وقد أخذ منهم الميثاق على ذلك وقولهم سمعنا وأطعنا ومعاهدتهم على أن يتموا عليه ثم نقضوه بعد . وقرئ : لا تعتدوا . ولا تعدوا بإداغم التاء في الدال " فبما نقضهم " فبنقضهم . و ما مزيدة للتوكيد . فإن قلت : بم تعلقت الباء ؟ وما معنى التوكيد ؟ قلت : إما أن يتعلق بمحذوف كأنه قيل : فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا وإما أن يتعلق بقوله : حرمنا عليهم " على أن قوله : " فبظلم من الذين هادوا " النساء : 160 ، بدل من قوله : " فبما نقضهم ميثاقهم " وأما التوكيد فمعناه تحقيق أن العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك . فإن قلت : هلا زعمت أن المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله : " بل طبع الله عليها " فيكون التقدير : فبما نقضهم ميثاقهم طبع الله على قلوبهم بل طبع الله عليها بكفرهم . قلت : لم يصح هذا التقدير لأن قوله : " بل طبع الله عليها بكفرهم " رد وإنكار لقولهم : " قلوبنا غلف " فكان متعلقا به وذلك أنهم أرادوا بقولهم : قلوبنا غلف أن الله خلق قلوبنا غلفا أي في أكنة لا يتوصل إليها شيء من الذكر والموعظة كما حكى الله عن المشركين وقالوا : " لو شاء الرحمن ما عبدناهم " الزخرف : 20 ، وكمذهب المجبرة أخزاهم الله فقيل لهم : بل خذلها الله ومنعها الألطاف بسبب كفرهم فصارت كالمطبوع عليها لا أن تخلق غلفا غير قابلة للذكر ولا متمكنة من قبوله . فإن قلت : علام عطف قوله : " وبكفرهم " ؟ قلت : الوجه أن يعطف على فبما نقضهم ويجعل قوله : " بل طبع الله عليها بكفرهم " كلاما تبع قوله : " وقالوا قلوبنا غلف " على وجه الاستطراد يجوز عطفه على ما يليه من قوله : بكفرهم