فإن قلت : ما معنى المجيء بالكفر معطوفا على ما فيه ذكره سواء عطف على ما قبل حرف الإضراب أو على ما بعده وهو قوله : " وكفرهم بآيات الله " وقوله : " بكفرهم " ؟ قلت : قد تكرر منهم الكفر لأنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلوات الله عليهم فعطف بعض كفرهم على بعض أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه كأنه قيل : فبجمعهم بين نقض الميثاق والكفر بآيات الله وقتل الأنبياء وقولهم : قلوبنا غلف وجمعهم بين كفرهم وبهتهم مريم وافتخارهم بقتل عيسى عاقبناهم . أو بل طبع الله عليها بكفرهم وجمعهم بين كفرهم وكذا وكذا . والبهتان العظيم : هو التزنية . فإن قلت : كانوا كافرين بعيسى عليه السلام أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر بن الساحرة والفاعل بن الفاعلة فكيف قالوا : إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ؟ قلت : قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون " إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " الشعراء : 27 ، ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعا لعيسى عما كانوا يذكرونه به وتعظيما لما أرادوا بمثله كقوله : " ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا " الزخرف : 9 ، روي أن رهطا من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني اللهم العن من سبني وسب والدتي فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير فأجمعت اليهود على قتله فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود فقال لأصحابه : أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة ؟ فقال رجل منهم : أنا . فألقي - عليه شبهه فقتل وصلب . وقيل : كان رجلا ينافق عيسى فلما أرادوا قتله قال : أنا أدلكم عليه فدخل بيت عيسى فرفع عيسى وألقي شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى ثم اختلفوا فقال بعضهم : إنه إله لا يصح قتله . وقال بعضهم : إنه قتل وصلب . وقال بعضهم إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى ؟ وقال بعضهم رفع إلى السماء وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا . فإن قلت : " شبه " مسند إلى ماذا ؟ إن جعلته مسندا إلى المسيح فالمسيح مشبه به وليس بمشبه وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر قلت : هو مسند إلى الجار والمجرور وهو " لهم " كقولك خيل إليه كأنه قيل : ولكن وقع لهم التشبيه . ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول : لأن قوله : إنا قتلنا يدل عليه كأنه قيل : ولكن شبه لهم من قتلوه " إلا اتباع الظن " استثناء منقطع لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم يعني : ولكنهم يتبعون الظن