جعل الذين آمنوا بالله وكفروا برسله أو آمنوا بالله وببعض رسله وكفروا ببعض كافرين بالله ورسله جميعا لما ذكرنا من العلة ومعنى اتخاذهم بين ذلك سبيلا : أن يتخذوا دينا وسطا بين الإيمان والكفر كقوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " الإسراء : 110 ، أي طريقا وسطا في القراءة وهو ما بين الجهر والمخافتة . وقد أخطؤوا فإنه لا واسطة بين الكفر والإيمان ولذلك قال : " أولئك هم الكافرون حقا " أي هم الكاملون في الكفر . و حقا تأكيد لمضمون الجملة كقولك : هو عبد الله حقا أي حق ذلك حقا وهو كونهم كاملين فيالكفر أو على صفة لمصدر الكافرين أي هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لاشك فيه .
" والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما " فإن قلت : كيف جاز دخول " بين " على " أحد " وهو يقتضي شيئين فصاعدا ؟ قلت : إن أحدا عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما تقول : ما رأيت أحدا فتقصد العموم ألا تراك تقول : إلا بني فلان وإلا بنات فلان ؛ فالمعنى : ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة ومنه قوله تعالى : " لستن كأحد من النساء " الأحزاب : 32 ، " سوف يؤتيهم أجورهم " معناه : أن إيتاءها كائن لا محالة وإن تأخر فالغرض به توكيد الوعد وتثبيته لا كونه متأخرا .
" يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " روي :