" القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " . قلت : كلمة التوفية تزيل هذا الوهم لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور . الزحزحزة : التنحية والإبعاد تكرير الزح وهو الجذب بعجلة " فقد فاز " فقد حصل له الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به ولا غاية للفوز وراء النجاة من سخط الله والعذاب السرمد ونيل رضوان الله والنعيم المخلد . اللهم وفقنا لم ندرك به عندك الفوز في المآب . وعن النبي A : " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يجب أن يؤتى إليه " وهذا شامل للمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد . شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته . والشيطان هو المدلس الغرور . وعن سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة فأما من طلب الآخرة بها فإنا متاع بلاغ خوطب المؤمنون بذلك ليوطنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الأذى والشدائد والصبر عليها حتى إذا لقوها لقوها وهم مستعدون لا يرهقهم ما يرهق من يصيبه الشدة بغتة فينكرها وتشمئز منها نفسه .
" لتبلولن في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " والبلاء في الأنفس : القتل والأسر والجراح وما يرد عليها من أنواع المخاوف والمصائب . وفي الأموال : الإنفاق في سبل الخير وما يقع فيها من الآفات . وما يسمعون من أهل الكتاب المطاعن في الدين الحنيف وصد من أراد الإيمان وتخطئة من آمن . وما كان من كعب بن الأشرف من هجائه لرسول الله A وتحريض المشركين ومن فنحاص ومن بني قريظة والنضير " فإن ذلك " فإن الصبر والتقوى " من عزم الأمور " من معزومات الأمور أي مما يجب العزم عليه من الأمور أو مما عزم الله أن يكون يعني أن ذلك عزمة من عزمات الله لابد لكم أن تصبروا وتتقوا .
" وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروابه ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " " وإذ أخذ الله " واذكر وقت أخذ الله ميثاق أهل الكتاب " لتبيننه " الضمير للكتاب . أكد عليهم إيجاب بيان الكتاب واجتناب كتمانه كما يؤكد على الرجل إذا عزم عليه وقيل له : آلله لتفعلن " فنبذوه وراء ظهورهم " فنبذوا الميثاق وتأكيده عليهم يعني لم يراعوه ولم يلتفتوا إليه . والنبذ وراء الظهر مثل في الطرح وترك الاعتداد . ونقيضه جعله نصب عينيه وألقاه بين عينيه وكفى به دليلا على أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس وما علموه وأن لا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطيب لنفوسهم . واستجلاب لمسارهم أو لجر منفعة وحطام دنيا أو لتقية : مما لا دليل عليه ولا أمارة أو لبخل بالعلم وغيرة أن ينسب إليه غيرهم . وعن النبي A : " من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار " وعن طاوس أنه قال لوهب : إني أرى الله سوف يعذبك بهذه الكتب . وقال : والله لو كنت نبيا فكتمت العلم كما تكتمه لرأيت أن الله سيعذبك وعن محمد بن كعب : لا يحل لأحد من العلماء أن يسكت على علمه ولا يحل لجاهل أن يسكت على جهله حتى يسأل . وعن علي Bه : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا . وقرئ : ليبيننه . ولا يكتمونه . بالياء لأنهم غيب . وبالتاء على حكاية مخاطبتهم كقوله : " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن " الإسراء : 4 .
" ولا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم "