قال ذلك اليهود حين سمعوا قول الله تعالى : " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " فلا يخلو إما أن يقولوه عن اعتقاد لذلك أو عن استهزاء بالقرآن وأيهما كان فالكلمة عظيمة لا تصدر إلا عن متمردين في كفرهم . ومعنى سماع الله له : أنه لم يخف عليه وأنه أعد له كفاءه من العقاب " سنكتب ما قالوا " في صحائف الحفظة . أو سنحفظه ونثبته في علمنا لا ننساه كما يثبت المكتوب فإن قلت : كيف قال : " لقد سمع الله " ثم قال " سنكتب " وهلا قيل : ولقد كتبنا ؟ قلت : ذكر وجود السماع أولا مؤكدا بالقسم ثم قال : سنكتب على جهة الوعيد بمعنى لن يفوتنا أبدا إثباته وتدوينه كما لن يفوتنا قتلهم الأنبياء . وجعل قتلهم الأنبياء قرينة له إيذانا بأنهما في العظم أخوان وبأن هذا ليس بأول ما ركبوه من العظائم . وأنهم أصلاء في الكفر ولهم فيه سوابق وأن من قتل الأنبياء لم يستبعد منه الاجتراء على مثل هذا القول . وروي : أن رسول الله A كتب مع أبي بكر Bه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فقال فنحاص اليهودي : إن الله فقير حين سألنا القرض فلطمه أبو بكر في وجهه وقال : لولا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك فشكاه إلى رسول الله A وجحد ما قاله فنزلت . ونحوه قولهم : " يد الله مغلولة " المائدة : 64 ، " ونقول " لهم " ذوقوا " وننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة : ذوقوا " عذاب الحريق " كما أذقتم المسلمين الغصص . يقال للمنتقم منه : أحس وذق . وقال أبو سفيان لحمزة Bه : ذق عقق وقرأ حمزة : سيكتب بالياء على البناء للمفعول ويقول بالياء . وقرأ الحسن والأعرج : سيكتب بالياء وتسمية الفاعل . وقرأ ابن مسعود : ويقال ذوقوا " ذك " إشارة إلى ما تقدم من عقابهم وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بهن فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب فإن قلت : فلم عطف قوله " وأن الله ليس بظلام للعبيد " على " ما قدمت أيديكم " وكيف جعل كونه غير ظلام للعبيد شريكا لاجتراحهم السيئات في استحقاق التعذيب ؟ قلت : معنى كونه غير ظلام للعبيد أنه عادل عليهم ومن العدل ان يعاقب المسيء منهم ويثيب المحسن .
" الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءو بالبينات والزبر والكتاب المنير " " عهد إلينا " أمرنا في التوراة وأوصانا بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه الآية الخاصة وهو أن يرينا قربانا تنزل نار من السماء فتأكله كما كان أنبياء بني إسرائيل تلك آيتهم كان يقرب بالقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتأكله وهذه دعوى باطلة وافتراء على الله لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان للرسول الآتي به إلا لكونه آية ومعجزة فهو إذن وسائر الآيات سواء فلا يجوز أن يعينه الله تعالى من بين الآيات . وقد ألزمهم الله أن أنبياءهم جاؤهم بالبينات الكثيرة التي أوجبت عليهم التصديق وجاؤهم أيضا بهذه الآية التي اقترحوها فلم قتلوهم إن كانوا صادقين أن الإيمان يلزمهم بإتيانها وقرئ بقربان بضمتين . ونظيره السلطان . فإن قلت : ما معنى قوله : " وبالذي قلتم " ؟ قلت : معناه وبمعنى الذي قلتموه من قولكم : قربان تأكله النار . ومؤداه كقوله : " ثم يعودون لما قالوا " المجادلة : 3 ، أي لمعنى ما قالوا . في مصاحف أهل الشام : وبالزبر وهي الصحف " والكتاب المنير " التوراة والإنجيل والزبور . وهذه تسلية لرسول الله A من تكذيب قومه وتكذيب اليهود .
" كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " وقرأ اليزيدي ذائقة الموت على الأصل . وقرأ الأعمش ذائقة الموت بطرح التنوين مع النصب كقوله : .
ولا ذاكر الله إلا قليلا .
فإن قلت : كيف اتصل به قوله : " وإنما توفون أجوركم " ؟ قلت : اتصاله به على أن كلكم تموتون ولابد لكم من الموت ولا توفون أجوركم على طاعاتكم ومعاصيكم عقيب موتكم وإنما توفونها يوم قيامكم من القبور . فإن قلت فهذا يوهم نفي ما يروى أن