" لا تحسبن " خطاب لرسول الله A . وأحد المفعولين " الذين يفرحون " والثاني " بمفازة " وقوله : " فلا تحسبنهم " تأكيد تقديره : لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين . وقرئ : لا تحسبن . فلا تحسبنهم بضم الباء على خطاب المؤمنين ولا يحسبن . فلا يحسبنهم بالياء وفتح الباء فيهما على أن الفعل للرسول . وقرأ أبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني على أن الفعل للذين يفرحون والمفعول الأول محذوف على : لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة بمعنى : لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين وفلا يحسبنهم تأكيد . ومعنى " بما أوتوا " بما فعلوا . وأتى وجاء يستعملان بمعنى فعل قال الله تعالى : " إنه كان وعده مأتيا " مريم : 61 ، " لقد جئت شيئا فريا " مريم : 27 . ويدل عليه قراءة أبي : يفرحون بما فعلوا . وقرئ : آتوا بمعنى أعطوا . وعن علي Bه : بما أوتوا . ومعنى " بمفازة من العذاب " بمنجاة منه . روي : أن رسول الله A سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم : أي لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا - من تدليسهم عليك ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه - ناجين من العذاب . ومعنى " فرحين " بما أوتوه من علم التوراة . وقيل : يفرحون بما فعلوا من كتمان نعت رسول الله A ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من اتباع دين إبراهيم حيث ادعوا أن إبراهيم كان على اليهودية وأنهم على دينه . وقيل : هم قوم تخلفوا عن الغزو مع رسول الله A فلما قفل اعتذروا إليه بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا إليه بترك الخروج . وقيل : هم المنافقون يفرحون بما أتوا من إظهار الإيمان للمسلمين ومنافقتهم وتوصلهم بذلك إلى أغراضهم ويستحمدون إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة لإبطانهم الكفر . ويجوز أن يكون شاملا لكل من يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب . ويحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بالديانة والزهد وبما ليس فيه .
" ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار " " ولله ملك السموات والأرض " فهو يملك أمرهم . وهو على كل شيء قدير فهو يقدر على عقابهم " لآيات " لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته وباهر حكمته " لأولي الألباب " للذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار . ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطر . وفي النصائح الصغار : املأ عينيك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها متدبرا حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر ويحال بينك وبين النظر . وعن ابن عمر Bهما : قلت لعائشة Bها : أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله A فبكت وأطالت ثم قالت : كل أمره عجب أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال : يا عائشة هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي ؟ فقلت : يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك . فقام إلى قربة من ماء في البيت . فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم قام يصلي فقرأ من القرآن فجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له : يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا . ثم قال : وما لي لا أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة " إن في خلق السموات والأرض " ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وروي : " ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأملها " وعن علي Bه :