اللام لتأكيد النفي " على ما أنتم عليه " من اختلاط المؤمنين الخلص والمنافقين " حتى يميز الخبيث من الطيب " حتى يعزل المنافق عن المخلص . وقرئ : يميز . من ميز . وفي رواية عن ابن كثير : يميز من أماز بمعنى ميز . فإن قلت : لمن الخطاب في " أنتم " قلت : للمصدقين جميعا من أهل الإخلاص والنفاق كأنه قيل : ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها - من اختلاط بعضكم ببعض وأنه لا يعرف مخلصكم من منافقكم لاتفاقكم على التصديق جميعا - حتى يميزهم منكم بالوحي إلى نبيه وإخباره بأحوالكم ثم قال : " وما كان الله ليطلعكم على الغيب " أي وما كان الله ليؤتي أحدا منكمع علم الغيوب فلا تتوهموا عند إخبار الرسول E بنفاق الرجل وإخلاص الآخر أنه يطلع على ما في القلوب إطلاع الله فيخبر عن كفرها وإيمانها " ولكن الله " يرسل الرسول فيوحي إليه ويخبره بأن في الغيب كذا وأن فلانا في قلبه النفاق وفلانا في قلبه الإخلاص فيعلم ذلك من جهة إخبار الله لا من جهة اطلاعه على المغيبات . ويجوز أن يراد : لا يترككم مختلطين حتى يميز الخبيث من الطيب بأن يكلفكم التكاليف الصعبة التي لا يصبر عليها إلا الخلص الذي امتحن الله قلوبهم . كبذل الأرواح في الجهاد وإنفاق الأموال في سبيل الله فيجعل ذلك عيارا على عقائدكم وشاهدا بضمائركم حتى يعلم بعضكم ما في قلب بعض من طريق الاستدلال لا من جهة الوقوف على ذات الصدور والاطلاع عليها فإن ذلك مما استأثر الله به . وما كان الله ليطلع أحدا منكم على الغيب ومضمرات القلوب حتى يعرف صحيحها من فاسدها مطلعا عليها " ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء " فيخبره ببعض المغيبات " فآمنوا بالله ورسله " بأن تقدروه حق قدره وتعلموه وحده مطلعا على الغيوب وأن تنزلوهم منازلهم بأن تعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون إلا ما علمهم الله ولا يخبرون إلا بما أخبرهم الله به من الغيوب وليسوا من علم الغيب في شيء . وعن السدي قال الكافرون : إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر فنزلت .
" ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير " " ولا تحسبن " من قرأ بالتاء قدر مضافا محذوفا أي ولا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم . وكذلك من قرأ بالياء وجعل فاعل يحسبن ضمير رسول الله أو ضمير رسول الله أو ضمير أحد . ومن جعل فاعله الذين يبخلون كان المفعول الأول عنده محذوفا تقديره : ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم " هو خيرا لهم " والذي سوغ حذفه دلالة " يبخلون " عليه وهو فصل . وقرأ الأعمش بغير هو " سيطوقون " تفسير لقوله : " هو شر لهم " أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق . وفي أمثالهم : تقلدها طوق الحمامة إذا جاء بهنة يسب به ويذم . وقيل : يجعل ما بخل من الزكاة حية يطوقها في عنقه يوم القيامة تنهشه من قرنه إلى قدمه وتنقر رأسه وتقول : أنا مالك . وعن النبي A في مانع الزكاة : " يطوق بشجاع أقرع " وروي " بشجاع أسود " وعن النخعي : سيطوقون بطوق من نار " ولله ميراث السموات والأرض " أي وله ما فيها مما يتوارثه أهلها من مال وغيره فمالهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله . ونحوه قوله : " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " الحديد : 7 ، وقرئ بما تعملون بالتاء والياء فالتاء على طريقة الالتفات وهي أبلغ في الوعيد والياء على الظاهر .
" لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد "