قرئ قرح بفتح القاف وضمها وهما لغتان كالضعف والضعف . قيل : هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها . وقرأ أبو السمال قرح بفتحتين . وقيل : القرح والقرح كالطرد والطرد . والمعنى : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال . فأنتم أولى أن لا تضعفوا . ونحوه " فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " النساء : 104 ، وقيل : كان ذلك يوم أحد فقد نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله A . فإن قلت : كيف قيل " قرح مثله " وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين ؟ قلت : بلى كان مثله ولقد قتل يومئذ خلق من الكفار . ألا ترى إلى قوله تعالى " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " آل عمران : 75 . " وتلك الأيام " تلك مبتدأ والأيام صفته . و " نداولها " خبره ويجوز أن يكون " تلك الأيام " مبتدأ وخبرا كما تقول : هي الأيام تبلي كل جديد . والمراد بالأيام : أوقات الظفر والغلبة نداولها : نصرفها بين الناس نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء كقوله وهو من أبيات الكتاب : .
فيوما علينا ويوما لنا ... ويوما نساء ويوما نسر .
ومن أمثال العرب : الحرب سجال . وعن أبي سفيان أنه صعد الجبل يوم أحد فمكث ساعة ثم قال : أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب . فقال عمر : هذا رسول الله A وهذا أبو بكر وها أنا عمر . فقال أبو سفيان يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال . فقال عمر Bه : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . فقال : إنكم تزعمون ذلك فقد خبنا إذن وخسرنا والمداولة مثل المعاورة . وقال : .
يرد المياه فلا يزال مداولا ... في الناس بين تمثل وسماع .
يقال : داولت بينهم الشي فتداولوه " وليعلم الله الذين آمنوا " فيه وجهان : أحدهما أن يكون المعلل محذوفا معناه : وليتميز الثابتون على الإيمان منكم من الذين على حرف فعلنا ذلك وهو من باب التمثيل بمعنى : فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت وإلا فالله D لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها . وقيل : معناه وليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو أن يعلمهم موجودا منهم الثبات والثاني أن تكون العلة محذوفة وهذا عطف عليه معناه : وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم الله . وإنما حذف للإيذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة ليسليهم عما جرى عليهم وليبصرهم أن العبد يسوءه ما يجري عليه من المصائب ولا يشعر أن الله في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه " ويتخذ منكم شهداء " وليكرم ناسا منكم بالشهادة يريد المستشهدين يوم أحد . أو وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلى به صبركم من الشدائد من قوله تعالى : " لتكونوا شهداء على الناس " البقرة : 143 . " والله لا يحب الظالمين " اعتراض بين بعض التعليل وبعض . ومعناه : والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المجاهدين في سبيل الله الممحصين من الذنوب . والتمحيص : التطهير والتصفية " ويمحق الكافرين " ويهلكهم . يعني : إن كانت الدولة على المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص وغير ذلك مما هو أصلح لهم . وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم .
" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " " أم " منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار " ولما يعلم الله " بمعنى ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقة لأنه منتف بانتفائه . يقول الرجل : ما علم الله في فلان خيرا يريد : مافيه خير حتى يعلمه . ولما بمعنى لم إلا أن فيها ضربا من التوقع فدل على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل . وتقول : وعدني أن يفعل كذا ولما تريد ولم يفعل وأنا أتوقع فعله . وقرئ : ولما يعلم الله بفتح الميم . وقيل : أراد النون الخفيفة ولما يعلمن فحذفها " ويعلم الصابرين " نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . وقرأ الحسن بالجزم على العطف . وروى عبد الوارث عن أبي عمرو ويعلم بالرفع على أن الواو للحال كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون