" لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار " " وهم يعلمون " حال من فعل الإصرار وحرف النفي منصب عليهما معا . والمعنى : وليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها وبالوعيد عليها لأنه قد يعذر من لا يعلم قبح القبيح . وفي هذه الآيات بيان قاطع أن الذين آمنوا على ثلاث طبقات : متقون وتائبون ومصرون . وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين . ومن خالف ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه . قال " أجر العاملين " بعد قوله : " جزاؤهم " آل عمران : 87 ، لأنهما في معنى واحد . وإنما خالف بين اللفظين لزيادة التنبيه على أن ذلك جزاء واجب على عمل وأجر مستحق عليه لا كما يقول المبطلون . وروي أن الله D أوحى إلى موسى : ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي . وعن شهر بن حوشب : طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة . وعن الحسن Bه : يقول الله تعالى يوم القيامة " جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم " وعن رابعة البصرية Bها أنها كانت تنشد : .
تجرو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس .
والمخصوص بالمدح محذوف تقديره : ونعم أجر العاملين ذلك . يعني المغفرة والجنات " قد خلت من قبلكم سنن " يريد ما سنه الله في الأمم المكذبين من وقائعه كقوله : " وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل " الأحزاب : 61 ، " ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا " الفتح : 22 ، " سنة الله التي قد خلت من قبل " الفتح : 23 .
" هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " " هذا بيان للناس " إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب يعني : حثهم على النظر في سوء عواقب المكذبين قبلهم والاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم " وهدى وموعظة للمتقين " يعني أنه مع كونه بيانا وتنبيها للمكذبين فهو زيادة تثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين ويجوز أن يكون قوله : " قد خلت " جملة معترضة للبعث على الإيمان وما يستحق به ما ذكر من أجر العاملين ويكون قوله : " هذا بيان " غشارة إلى ما لخص وبين من أمر المتقين والتائبين والمصرين " ولا تهنوا ولا تحزنوا " تلسية من الله سبحانه لرسوله A وللمؤمنين عما أصابهم يوم أحد وتقوية من قلوبهم يعني ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم أي لا يورثنكم ذلك وهنا وجبنا ولا تبالوا به ولا تحزنوا على من قتل منكم وجرح " وأنتم الأعلون " وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أحد . أو وأنتم الأعلون شأنا لأن قتالكم لله ولإعلاء كلمته وقتالهم للشيطان ولإعلاء كلمة الكفر ولأن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار . أو هي بشارة لهم بالعلو والغلبة أي وأنتم الأعلون في العاقبة " وإن جندنا لهم الغالبون " الصافات : 173 . " إن كنتم مؤمنين " متعلق بالنهي بمعنى : ولا تهنوا إن صح إيمانكم على أن صحة الإيمان توجب قوة القلب والثقة بصنع الله وقلة المبالاة بأعدائه . أو بالأعلون أي إن كنتم مصدقين بما يعدكم الله ويبشركم به من الغلبة .
" إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين "