" وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فهيا ونعم أجر العاملين قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " في مصاحف أهل المدينة والشام سارعوا بغير واو . وقرأ الباقون بالواو . وتنصره قراءة أبي وعبد الله : وسابقوا ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة : الإقبال على ما يستحقان به " عرضها السموات والأرض " الحديد : 1 ، أي عرضها عرض السموات والأرض كقوله : " عرضها كعرض السماء والأرض " والمراد وصفها بالسعة والبسطة فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه . وخص العرض لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة كقوله : " بطائنها من استبرق " الرحمن : 54 . وعن ابن عباس Bه : كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض " في السراء والضراء " في حال الرخاء واليسر وحال الضيقة والعسر لا يخلون بأن ينفقوا في كلتا الحالتين ما قدروا عليه من كثير أو قليل كما حكي عن بعض السلف : أنه ربما تصدق ببصلة وعن عائشة Bها أنها تصدقت بحبة عنب أو في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرة لا تمنعهم حال فرح وسرور ولا حال محنة وبلاء من المعروف وسواء عليهم كان الواحد منهم في عرس أو في حبس فإنه لا يدع الإحسان . وافتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس وأدله على الإخلاص ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة إليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين .
كظم القربة : إذا ملأها وشد فاها . وكظم البعير : إذا لم يجتر . ومنه كظم الغيظ وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثرا وعن النبي A : " من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا " . وعن عائشة Bها : أن خادما لها غاظها فقالت : لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء . " والعافين عن الناس " إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه وروي : ينادي مناد يوم القيامة : أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا وعن ابن عيينة : أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه . وعن النبي A : " إن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصم الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت " " والله يحب المحسنين " يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورين . وأن تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء " والذين " عطف على المتقين . أي أعدت للمتقين وللتائبين . وقوله : " وأولئك " إشارة إلى الفريقين . ويجوز أن يكون والذين مبتدأ خبره أولئك " فاحشة " فعلة متزايدة القبح " أو ظلموا أنفسهم " أو أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به . وقيل : الفاحشة الزنا . وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة ونحوهما . وقيل : الفاحشة الكبيرة . وظلم النفس الصغيرة " ذكروا الله " تذكروا عقابه أو وعيده أو نهيه أو حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه " فاستغفروا لذنوبهم " فتابوا عنها لقبحها نادمين عازمين " ومن يغفر الذنوب إلا الله " وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة وإن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه وأن عدله يوجب المغفرة للتائب لأن العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم . والمعنى : أنه وحده معه مصححات المغفرة وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه " ولم يصروا " ولم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين . وعن النبي A : " ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة " وروي :