" تسوموا فإن الملائكة قد تسومت " . " وما جعله الله " الهاء لأن يمدكم . أي : وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشارة لكم بأنكم تنصرون " ولتطمئن قلوبكم به " كما كانت السكينة لبني إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم " وما النصر إلا من عند الله " لا من عند المقاتلة إذا تكاثروا ولا من عند الملائكة والسكينة ولكن ذلك مما يقوي به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة ويربط به على قلوب المجاهدين " العزيز " الذي لا يغالب في حكمه " الحكيم " الذي يعطي النصر ويمنعه لما يرى من المصلحة " ليقطع طرفا من الذين كفروا " ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم " أو يكبتهم " أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة " فينقلبوا خائبين " غير ظافرين بمبتغاهم . ونحوه " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا " الأحزاب : 35 ، ويقال : كبته بمعنى كبده إذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة . وقيل في قول أبي الطيب : .
لأكبت حاسدا وارى عدوا .
هو من الكبد والرئة واللام متعلقة بقوله : " ولقد نصركم الله " أو بقوله : " وما النصر إلا من عند الله " .
" ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم " " أو يتوب " عطف على ما قبله .
و " ليس لك من الأمر شيء " اعتراض . والمعنى أن الله مالك أمرهم فإما يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا على الكفر وليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم . وقيل : إن " يتوب " منصوب بإضمار أن و وأن يتوب في حكم اسم معطوف بأو على الأمر أو على شيء أي لي لك من أمرهم شيء أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم . أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم وقيل أو بمعنى إلا أن كقولك : لألزمنك أو تعطيني حقي على معنى ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بحالهم أو يعذبهم فتتشفى منهم . وقيل : شجه عتبة بن أبي وقاص يوم أحد وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم وهو يقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم فنزلت . وقيل : أراد أن يدعو الله عليهم فنهاه الله تعالى لعلمه أن فيهم من يؤمن . وعن الحسن " يغفر لمن يشاء " بالتوبة ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين " ويعذب من يشاء " ولا يشاء أن يعذب إلا المستوجبين للعذاب . وعن عطاء : يغفر لمن يتوب إليه ويعذب من لقيه ظالما وأتباعه . قوله : " أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " تفسير بين لمن يشاء وأنهم المتوب عليهم أو الظالمون ولكن أهل الأهواء والبدع يتصامون ويتعامون عن آيات الله فيخبطون خبط عشواء ويطيبون أنفسهم بما يفترون على ابن عباس من قولهم : يهب الذنب الكبير لمن يشاء ويعذب من يشاء على الذنب الصغير .
" يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون " " لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " نهي عن الربا مع توبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه كان الرجل منهم إذا بلغ الدين محله زاد في الأجل فاستغرق بالشيء الطفيف مال المديون " واتقوا النار التي أعدت للكافرين " كان أبو حنيفة C يقول : هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه . وقد أمد ذلك بما أتبعه من تعليق رجاء المؤمنين برحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله . ومن تأمل هذه الآية وأمثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة والتمني على الله تعالى وفي ذكره تعالى لعل و عسى في نحو هذه المواضع - وإن قال الناس ما قالوا - ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى وصعوبة إصابة رضا الله وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه